الرفيق فريد العليبي : الديمقراطية ليست الانتخابات فقط
- partielkadihines
- 4 sept. 2014
- 2 min de lecture
نعرف عنكم اهتمامكم بالفلسفة السياسية فهل تؤسسون موقفكم من الانتخابات والديمقراطية بوجه عام على حجج و نظريات فلسفية ؟

نحن لا نتجاهل أفكار الفلاسفة ومناهجهم في فهم الديمقراطية وغيرها، وحزب الكادحين يحاول تحويل السياسة في تونس من الديماغوجيا والخطابة المثيرة للعواطف إلى مقاربات عقلية نقدية تعتمد العلوم المختلفة في وضع خططها التكتيكية والاستراتيجية، فضلا عن الربط بين السياسة والايتيقا الثورية، وبالنسبة إلى الديمقراطية فإن الفلسفة تتعامل معها بتنسيبها، فهي مفهوم تاريخي خاضع للتبدل والتغير، فلا وجود للديمقراطية كجوهر نقي وصاف بل هناك ديمقراطيات ترتدي في كل عصر طبيعة معينة. لقد ناهض سقراط الديمقراطية الأثينية مثلا وكان ضحية لها فقد حكمت عليه بالموت، مبرزا آليات التحكم فيها، ومنها ما يقوم به السفسطائيون الذين يصنعون خطباء من بين الأثرياء ضمانا لاختيارهم من قبل الناخبين، ونادى بحكم الارستقراطية الفكرية أي حكم الفلاسفة، وهو ما نقله لنا أفلاطون الذي يشاركه الرأي ذاته كما اتخذ أرسطو موقفا لا يختلف كثيرا عنه، وهناك أصداء لذلك لدى الفلاسفة العرب أمثال الفارابي وابن رشد فطيلة العصور القديمة والوسيطة كان نظام الحكم الديمقراطي منبوذا ومستهجنا. وإذا كان روسو ولوك وسبينوزا مع العصر الحديث قد أكدوا أهمية التعاقد الاجتماعي والمساواة الحقوقية ودافعوا عن الديمقراطية الليبرالية فإن ذلك كان ايجابيا في لحظة تاريخية ساد خلالها الاستبداد الإقطاعي الملتحف بالدين، و عندما تبدلت الظروف التاريخية واستنفذت تلك الديمقراطية مخزونها الثوري وخاصة بعد ثورة كومونة باريس (1871) اعتبرها ماركس جوفاء لأنها لا تمنح الكادحين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، أما أطرها التمثيلية وخاصة البرلمانات فنظر إليها على أنها أماكن للثرثرة وخداع الكادحين فمن يحكم هو من يمتلك أكبر الأسهم في البورصات وكل شئ مهم يطبخ وراء الكواليس.
واليوم فإن فيلسوفا مثل ألان باديو يعتبر الديمقراطية في صورتها الحالية أداة قمع في يد البرجوازية. نحن نستأنس بذلك كله في بناء تصوراتنا ومواقفنا، فلا حركة ثورية دون نظرية ثورية، دون أن يغيب عن أذهاننا الواقع الحي الذي نعيشه في بلادنا فالحريات الديمقراطية مطلب شعبي في تونس كما يمثل الإصلاح الزراعي جوهر الديمقراطية الجديدة، و قد بينت تحقيقات جرت في الأرياف مؤخرا أن معظم الكادحين لن يشاركوا في الانتخابات القادمة فهي غائبة عن اهتمامهم، ومنهم من لا يمتلك حتى بطاقة تعريف وطنية، ومشكلتهم الأساسية هى توزيع الأرض فالديمقراطية ليست الانتخابات فقط كما قد يعتقد، وإنما هي أوسع من ذلك. ومع احتدام الصراع الطبقي في تونس ستتصارع ديمقراطيتان ديمقراطية الحكام وديمقراطية المحكومين، الديمقراطية القديمة والديمقراطية الجديدة، أو ديمقراطية الشعب وديمقراطية السلطان. لقد كانت الديمقراطية الليبرالية في أوروبا والولايات المتحدة ثمرة للثورات البرجوازية فاستندت إلى نظام اقتصادي اجتماعي ثقافي تشكل خلال عهود طويلة و قد تربّت الأمم الأوروبية في خضم صراع مرير، فكان حسم وحدة السوق ووحدة الدولة والعلمانية والحداثة الخ... فأصبحت إمكانية العودة القهقرى إلى عصر الظلام الديني الإقطاعي مستحيلة. واليوم فان الديمقراطية الليبرالية يجري العمل على تجاوزها من يسارها، أما بالنسبة إلى الأمة العربية فإن الديمقراطية الليبرالية هي في الغالب مسقطة، لذلك فإنها حالما توضع على المحك انتخابيا تعطينا سلطة الطوائف والعشائر والمذاهب والهويات المغلقة والعصبيات القاتلة، وهي لن تحسم الصراعات المحتدمة بل ستزيدها تأجيجا، وهناك أمثلة حية في العراق وليبيا ولبنان وغيرها تبين ذلك، وبالتالي يجب توفير الشروط أوّلا للديمقراطية الشعبية حتى تصبح ممكنة وتلك مهمة الثورة دون سواها.