فريد العليبي : سلفــادور ألندي في ذكـــراه
- partielkadihines
- 11 sept. 2014
- 3 min de lecture

في الستينات و السبعينات من القرن الماضي كان العالم يرقص على نغمات " الحر " و"الاشتراكي"، مع رجحان الكفة لصالح الاشتراكية على نطاق عالمي ، حتى أن بورقيبة تنازل عن تسمية حزبه الدستوري بالحر و أخذ بنعت الاشتراكي ، وهو ما يحصل اليوم أيضا في تونس ، و لكن في اتجاه عكسي . كانت الحرب الباردة على أشدها ، قصف بشتى الأسلحة الحربية و السياسية والإيديولوجية ، و سيطرة على بلدان بأكملها ، انقلابات عسكرية و حروب شعبية تحررية ، من معركة الكرامة الفلسطينية حتى بطولات الفيتكونغ في الغابات الفيتنامية ، نشاط محموم للمخابرات الدولية ، و صراع في الأرض و في السماء ، وصولا إلى القمر. في هذه الحرب أشهرت أمريكا سلاح الديمقراطية فهي زعيمة العالم الحر ، بينما أشهر الاتحاد السوفيتي سلاح العدالة الاجتماعية فهو زعيم المعسكر الاشتراكي . في خضم المعركة كانت أمريكا اللاتنينة ساحة من ساحات الوغى ، ففي أدغالها وجبالها و غاباتها تردد صدى رصاص بنادق الثوار في السيرا مايسترا الكوبية ، فانتشرت حروب الغوار الثورية ، من التوباماروس الى الساندينيستا ، و لكن النصر الكوبي لم يتكرر، مما دعم الاتجاه نحو البرلمانية ، و انتشار فكرة الوصول إلى الاشتراكية بالطرق السلمية ، هذا الاتجاه سيحمل في مجراه سلفادور ألندى إلى سدة الحكم في الشيلي ، خلال الانتخابات الرئاسية سنة 1971. أمَم ألندى مناجم النحاس و البنوك ، و بدأ الإصلاح الزراعي ، ووفَر الرعاية الاجتماعية و الصحية ، ولكن سرعان ما فُرض عليه حصار اقتصادي فتدنى ثمن النحاس ، و عانت الشيلي من ندرة في المواد الغذائية ، وتراجع الصادرات و نمو الواردات ، وضخت أمريكا أموالا طائلة لإفساد الحياة السياسية و الاجتماعية ، وعملت المخابرات المركزية على توفير مناخ مناسب لانقلاب عسكري ، و هو ما حصل ، ففي يوم 11 سبتمبر 1973 ، على الساعة التاسعة صباحا غطت غربان سوداء سماء العاصمة الشيلية سانتياغو، يقودها الجنرال بينوشيه ، فحاصرت القصر الرئاسي وقصفته بالطائرات ، كان ألندى قبل ذلك بأيام قد قال كأنما في حدس مبكر لما جرى : إن هؤلاء الذين يدمرون الثورة السلمية سيجعلونها تتحول إلى ثورة عنيفة ، و عندما اقتربت أصوات المدافع خاطب الشعب عبر أمواج الإذاعة للمرة الأخيرة لكي يشكره ويبلغه بقرار المقاومة حتى النصر أو الموت . استشهد ألندي مثلما أراد و البندقية في يده ، و بعد مقتله حول الإنقلابيون أكبر ملعب لكرة القدم إلى سجن بدون سقف ، جمعوا فيه أربعين ألف إنسان ، تم إعدام حوالي ألفين و ثلاثمائة منهم على الفور ، بينما اختفى آلاف آخرون ، و هُجر مليون شخص من إجمالي عدد سكان يقدر بإثني عشر مليون بشر، بما يذكر بتعداد التونسيين هذه الأيام ، من بين من أعدموا المغنى الشيوعي فيكتور جارا، الذي عذب بوحشية ، وقطعت أصابع يده بفأس ، عقابا لها على ما عزفته للكادحين والوطن والحرية . كان ألندي طبيبا مثل تشي غيفارا ، و حلم الاثنان بما سماه ابن الجزار القيرواني "طب الفقراء" ، و قد أدركا مبكرا أن السياسة هي بوابة ذلك الطب فطالما لم تتغير طبيعة الدولة و المجتمع فإن المسحوقين لن يشفوا من أمراضهم أبدا ، و بينما وضع غيفارا سماعة الطبيب جانبا ، و امتشق البندقية ، فإن ألندى الذي تخلى عن تلك السماعة أيضا، امتشق صندوق الاقتراع ، طريقان مختلفان كثيرا ، طريق الإصلاح و طريق الثورة ، و المفارقة أن الاثنان انتهيا شهيدين ، غيفارا سنة 1967 في الأحراش البوليفية ، و ألندى سنة 1973 في القصر الرئاسي بسانتياغو الشيلية ، و هو الذي رثاه سميح شقير بأغنية تقول بعض كلماتها : سلفادور يا سلفادور، كيف نبني يا رفيقي دولة العمال في هذا الزمان تحت سقف البرلمان ؟
------------------------------------------------
هذا النص نُشر في جريدة "آخر خبر" بتاريخ سبتمبر 2012
Comments