top of page

النّـهضة و النّداء وجهــان لعُـمْلة واحدة

  • Photo du rédacteur: partielkadihines
    partielkadihines
  • 20 nov. 2014
  • 4 min de lecture

183642_377247662347313_1596618655_n.jpg

لم تكن الهالة الإعلاميّة التي رافقت ظهور نداء تونس سوى جزء صغير من مخطط كبير تمّ الإعداد له بكلّ دقّة لتسويقه تحت يافطة "تحقيق التوازن المفقود" بمعنى أدقّ إيجاد قوّة تمثّل حزبا أو جبهة بإمكانها التصدي للقوّة التي أفرزتها انتخابات 23-10-2011 وهي حركة النهضة التي حازت في تلك الفترة على أغلبية في المجلس التأسيسي مكنها من الهيمنة على السلطة باعتبار أنّ حليفيها أي التكتل وحزب المؤتمر لم يكونا قادرين على لعب دور معارض لسياساتها.

إنّ البحث عن إيجاد "التوازن المفقود"، كان الهدف منه إعادة ترميم صفوف النظام ومناصريه من جديد بعد أن تداعى للسقوط وبالتالي إرجاع الدساترة بكل تلويناتهم إلى سدّة الحكم بعد أن لبس الباجي قايد السبسي جلباب البورقيبيّة وأصبح المدافع عن بورقيبة و"مآثره" وقدّمته الوسائل الإعلاميّة التي تجنّدت لتمرير هذا المخطط على أنّه "منقذ البلاد من تغوّل النهضة" وقد ساعدته العديد من الظروف لتمرير هذه الدعاية خاصّة الوضع الاقتصادي الصعب الذي أصبح يعيشه الكادحون مع ازدياد أعداد المعطلين عن العمل وتفشي الأوبئة والأمراض، إضافة لتدهور المقدرة الشرائيّة. إنّ فشل الترويكا الذريع في تحسين الظروف الحياتية للكادحين مكن الباجي ونداء تونس من استقطاب الآلاف لا اقتناعا ببرامجه بل سعيا للحد من الشراسة التي تميّز بها حكم الترويكا وخاصة حركة النهضة، إضافة لسياسات الجبهة الشعبية التي كونت معه جبهة الإنقاذ ومكنته من المشاركة في اعتصام الرحيل.

لقد استغل الباجي كل هذه الظروف للانتشار أكثر فأكثر، ففي الوقت الذي كانت تقفل فيه مقرات تنسيقيات الجبهة الشعبية في عدّة أماكن ، كان نداء تونس يركز تنسيقياته في كل القرى والمدن والأرياف مستعينا في ذلك بخبرة العديد من الرموز الدستوريّة والتجمعيّة ومستغلاّ حالة الإحباط التي أصبحت تعيشها الجماهير الشعبيّة جرّاء تدهور وضعها الذي نتج عنه غضبها المتزايد على سياسات الترويكا سواءً الاقتصاديّة منها أو السياسيّة أو الاجتماعيّة ، وكذلك خوفها من " الإرهاب السلفي " الذي بدأ ينتشر في كلّ مكان ويهدّد بحرب أهليّة .

استغل إذن نداء تونس كلّ هذه الظروف خاصّة منها نتائج سبر الآراء التي كانت تصدر شهريّا والتي أعطته دائما أغلبيّة مريحة في نوايا التصويت للانتخابات التشريعيّة وبوّأت الباجي المرتبة الأولى وبفارق كبير في نوايا التصويت للانتخابات الرئاسيّة ممّا ولّد انطباعا لدى نسبة هائلة من الجماهير بكون نداء تونس وبقوّته المتصاعدة هو المؤهّل الوحيدة لإلحاق الهزيمة بالنهضة وبمشاريعها الظلاميّة خاصّة وقد قدّمته مكونات إتّحاد تونس وجبهة الإنقاذ على أنّه حزب "حداثي" صاحب توجّهات ديمقراطيّة متناسية تاريخ مؤسسيه من دساترة وتجمّعين الذين أسّسوا لسلطة النهب و القمع و الاستبداد وهم الذين اكتوى الكادحون بقمعهم لكل تحركاتهم واحتجاجاتهم الاجتماعيّة وتكميمهم للأصوات المناهضة لسياساتهم المبنيّة على التفريط في ثروات البلاد للقوى الإستعماريّة وتوسيع الهوّة بين حفنة من الأغنياء وأغلبيّة من المفقرين إضافة للتهميش المتعمّد للعديد من الجهات. إنّ ما تمّ التطرّق إليه يمثّل جزءا يسيرا من حقيقة نداء تونس الذي يظلّ ببرامجه سواء الاقتصاديّة منها أو الاجتماعيّة أو السياسيّة عدوّا للشعب الذى ساهم طيلة ستين عاما في تفقيره وتجويعه وتهميشه الأمر الذي دفع بالآلاف المؤلّفة منه إلى الهجرة بحثا عن مورد رزق.

إنّ سياسات نداء تونس أو بالأحرى سياسات الدساترة زمن بورقيبة والتجمعيين زمن بن علي لا تختلف في جوهرها عن سياسات الترويكا خاصّة حركة النهضة، فالتناقضات التي تشق النهضة والنداء ليست بالتناقضات الأساسية بل هي تناقضات ثانويّة وهذه التناقضات لا تهمّ وضع الجماهير الشعبيّة بل تتصل بطريقة السيطرة على هذه الجماهير وتركيعها فالنداء يمثّل اليمين الليبراي المعبر سياسيا عن البرجوازية الكمبرادورية بينما تمثّل النهضة اليمين الديني مصالح الإقطاعيين وغالبا ما سيطر هذا الائتلاف الطبقي على السلطة منذ صفقة 1956 بدعم من الإمبريالية العالمية وبالتحديد فرنسا وأمريكا، هاتان القوّتان اللتان تدخّلتا لحلّ بعض الخلافات البسيطة بين النداء والنهضة عندما جمعت الشيخين في باريس والذي صرّح إثرها الباجي بكون النداء لا يمكن له أن يحكم إلاّ بمعيّة حركة النهضة فردّ عليه الغنّوشي بكون حركة النهضة لا تستطيع الحكم دون النداء وهي ترجمة بسيطة للاتّفاق الحاصل بين الطرفين برعاية الإمبريالية.

وتاريخيا تمحورت الخلافات بين اليمين الليبيرالي واليمين الديني سواء في فترة بورقيبة أو بن على حول الجوامع ومن يسيطر عليها لما لها من أهميّة في الدعاية والتحريض والاستقطاب. أمّا بالنسبة للفترات التي عرفت تصاعد الخلافات بين الطرفين أواخر حكم بورقيبة والسنوات الأولى لحكم بن علي ، فإنّها تندرج في إطار المخطط الإمبريالي الباحث عن طرف يضمن تواصل مصالحه في الوقت الذي يصبح فيه الطرف الماسك بزمام السلطة غير قادر إمّا على مزيد تقديم التنازلات أو لدفعه لمزيد التنازل أو لأنّ استمراره قد يؤدّي إلى تحركات شعبيّة من شأنها تغيير المشهد السياسي فتعمد الإمبريالية إلى حلول استباقيّة بإعادة تغييرمراكز بدائلها حسبما تقتضيه مصالحها الآنيّة منها والمستقبليّة.

يتضح إذن أنّ النداء والنهضة يمثلان ائتلافا طبقيا طالما سيطر على السلطة مع وجود اختلاف طفيف في موازين القوى تارة لليمين الليبيرالي وطورا لليمين الديني وأنّ المراهنة على أنّ النداء سيتصدّى للنهضة يبقى رهانا خاسرا فهما يلتقيان حول الكثير ولا يختلفان إلا حول القليل إذ لا فرق بين التوجهات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة لحكومة السبسي أو حمادي الجبالي أو على العريّض وهي نفس التوجهات التي سلكها النظام الحاكم منذ20 مارس 1956 إلى حدّ الآن ، وهذا ما يؤكّد أنّ النهضة والنداء سيتولّيان التنسيق فيما بينهما في الحكومة القادمة و البرلمان لتمرير املاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي المرتبطة بمزيد رفع الدعم عن المواد الاستهلاكيّة والمحروقات وهي توجهات وسياسات ستزيد في تفقير وتجويع الكادحين الذين عليهم نبذ أوهام الانتخابات والاستعداد للمعارك القادمة للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم المشروعة.

___________________

طريق الثّــورة، أكتوبر 2014

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

 
 
 
bottom of page