top of page

لقـــاء صحفي مع الرّفيــق فريــد العليبي

  • Photo du rédacteur: partielkadihines
    partielkadihines
  • 27 nov. 2014
  • 10 min de lecture

- كمثقف وسياسي نودّ أنْ نطرح عليكم السؤال التالي: " لماذا قاطعتم انتخابات 2014 ؟ " الانتخابات ليست الديمقراطية بل يمكن أن تكون انقلابا عليها وتقديرنا أن الانتخابات في تونس تندرج ضمن هذا الإطار فالمهيمنون على الاقتصاد والسياسة والإعلام والثقافة لا يريدون من الانتخابات الديمقراطية بل يبحثون من خلالها عن مصدر للشرعية وقد ذهبوا إليها وهم مدججين بالمال الفاسد والإعلام المأجور والقوانين غير الديمقراطية والتزكيات المدلسة والخلط بين الدين والسياسة وتدخل السفارات الأجنبية والترهيب والتخويف والوعد و الوعيد . إنها انتخابات مضادة لمسار انتفاضة 17 ديسمبر لذلك كانت دعوتنا للمقاطعة فالظروف التي تعيشها تونس الآن لا يتوفر فيها الحد الأدنى لقيام انتخابات ديمقراطية. ونحن نرى أنه لا فرق جوهري بين مترشح وآخر وقائمة انتخابية وأخرى فكلهم منخرطون في لعبة انتخابية لمغالطة الشعب الذي أصبح غير مهتم بصراعاتهم التي لا علاقة لها بجوعه وفقره ومرضه وبطالته... إنهم يريدون كرسي الحكم ولا شئ غير ذلك وعندما نقاطعهم ونحدث الفراغ من حولهم فإننا لا نمكنهم من الشرعية الشعبية التي يبحثون عنها . نحن ننادي بالديمقراطية الشعبية لوضع حدّ لهذه المخاتلة التى تتمكن من خلالها الطبقات السائدة من تبادل الأدوار وتجديد أنفاسها كل أربع سنوات زاعمة إن هناك تداولا شعبيا على السلطة والحال أنه تداول بين تلك الطبقات ولا علاقة له بالشعب الذي يكتم صوته بعد أن يضع ورقة في الصندوق وينبري البرلمان والرئيس الجديد للحديث باسمه. يقول المترشحون انهم سيمثلون الشعب وأنهم صوته وحراسه بينما الحقيقة غير ذلك، من ينجح منهم سيكون بحكم الأوضاع والقوانين وموازين القوى ممثلا لبنوك النهب والقوى العسكرية والبوليسية النافذة والطبقات المهيمنة والدول الكبرى التي تسيّر الأوضاع من وراء الستار، لأجل ذلك نحن نرى أنّ الديمقراطية غير ممكنة دون حل المسألة الوطنية أي التحرر من الامبريالية والقطع سياسيا مع عملائها فكيف يعقل أن يشارك رموز سلطة بن علي في انتخابات والحال أنهم من قمع واستغل وباع ونهب، ثم إنهم يشاركون في تلك الانتخابات بكامل عدتهم وعتادهم والجميع الآن يتحدث عن الماكينة التجمعية التي تعمل في وضح النهار مستفيدة من تفوّقها اللوجستي. إنّ من يشارك في هذه اللعبة إنما يصب الماء في طاحونة هؤلاء ويضفي الشرعية عليهم وهناك أخبار متداولة عن عشرات النواب التجمعيين الذين سيعسكرون تحت قبة البرلمان القادم . ألم يكن أمام هؤلاء الذين يصفون أنفسهم باليساريين وأولاد الشعب أن يفضحوا هذه اللعبة ويقاطعوها لرفع الغطاء أولا عن هؤلاء وبعد ذلك لكل حادث حديث ؟ لقد قدرنا أن مهمة اليسار الثوري تكمن في أن يفضح تلك اللعبة وكشف عوراتها أمام الملإ، أي فضح ديمقراطية مخاتلة كاذبة لصالح ديمقراطية شعبية في اتصال وثيق بشعارات الانتفاضة وأهدافها. ورغم أن الوسائل تعوزه فان ما قام به هذا اليسار من تجذيف ضد التيار مهم جدا ويؤسس للمقاومة الشعبية بشرط التخلي عن الفرقة والانقسام والتخلص من وهم أنا أو لا أحد وإنّنى العمود الفقري وغيري توابع واستفاقة النائمين من سباتهم والانصهار في صميم الحياة السياسية والاجتماعية. اليسار الثوري معني بخلق مؤسسات مضادة مؤسسات مقاومة فعلية ترجع للشعب صوته ولسانه الذي يحاولون قطعه، هذا ما رأينا أن على حملة المقاطعة أن تنجزه لذلك كان شعار الكادحين المقاطعة مقاومة والمقاومة حياة لتأكيد استمرارية الكفاح على هذا الصعيد بالذات.

2- ما هي قراءتكم لنتائج الانتخابات و لنسبة المقاطعة و التي تميزت بعزوف كبير في صفوف الشبيبة ؟ لم تكن النتائج مفاجأة بالنسبة إلينا فقد كان واضحا منذ مدة أن الأوضاع تتّجه ناحية إحداث توازن بين الرجعيتين الدينية والليبرالية مع إمكانية كبيرة لتقاسم السلطة بينهما فالأمر يتعلق بإضفاء الاستقرار على أوضاع متفجرة واختتام مسار ترميم النظام. لقد بدأت عملية الترميم تلك مبكرا أي منذ الساعات الأولى التي تلت تهريب بن على ووصلت الآن إلى انتخابات يأملون أن تحقق الاستقرار والتوازن والتوافق في المصالح بين قطبي النظام وإعادة الشعب المنتفض إلى الزريبة مجددا وهو مقيّد بالسلاسل والحديد . و مع صدور نتائج الاقتراع أثبت تاكتيك المقاطعة شعبيته فنسبة المقاطعين للتسجيل والاقتراع تقارب ثلثي من يحق لهم التصويت. و تبيّن أنّ قاعدة المقاطعة توجد بين الشبيبة الثورية والمناطق والأحياء الفقيرة التي يقطنها الكادحون وهي الحاضنة الأساسية لانتفاضة 17 ديسمبر. وأثبت تاكتيك المشاركة الذي اعتمدته بعض القوى والجبهات الانتهازية فشله فأحزاب المال السياسي والإعلام الفاسد والاتّجــار بالدين والمدعومة امبرياليا هي الفائز الأول والأخير في اللعبة الانتخابية بينما حصلت تلك الأحزاب والجبهات على فتات الموائد ورغم ذلك فإنها تواصل بث الأوهام عن انتصاراتها المدوية. وأثبتت الانتخابات مرّة أخرى النفوذ الامبريالي في تونس من خلال حضور السفير الأمريكي في أحد مراكز الاقتراع ونحن لا نزعم أننا أصحاب الفضل في ذلك فقد تكفلت الوقائع بإقناع الناخبين بالمقاطعة.

3- يتهمكم البعض بأنّكم بدعوتكم إلى المقاطعة فسمتم " اليسار " وأضعفتموه وأنّكم حلفاء موضوعيون لحركة النهضة وحركة نداء تونس ؟ لقد قلنا في مناسبة سابقة أن اليسار غير موحد حتى نتهم بتقسيمه ونحن نسعى لتجاوز تشتته ولكننا نرى أن ذلك يجب أن يتم على قاعدة الثورة لا على قاعدة ترميم النظام لذلك فإن من يتهمنا بالتقسيم هو من تحالف مرارا مع الرجعية الدستورية وتكرارا مع الرجعية الدينية فكان سببا في زرع الفرقة والانقسام في صفوف اليسار وفيما يخصنا فإننا نرى أنه من العيب نفي العيب حيث لا عيب بمعنى أننا لا نلتفت كثيرا إلى ذلك الاتهام. وبالنسبة إلى المقاطعة فنحن نرى عكس ذلك فتاكتيك المشاركة في الانتخابات هو الذي يقسم اليسار فما معنى التنافس اليوم انتخابيا مع الدستوريين مثلا؟ ما معنى المشاركة في لعبة انتخابية تعيد الاعتبار للتجمع الدستوري من خلال مرشحيه المعروفين والذين لا يخفون هويتهم السياسية بل يفاخرون بها ؟ وعلى هذا الصعيد فإن الخطر الآن يتمثل في الانتهازية وهناك من يريد التوغل في هذا الطريق وتعتقد جموع من اليساريين الطيبين ذوي النوايا الحسنة أن التشتت دواؤه الوحدة وبأي ثمن كان دون التساؤل عن أسس تلك الوحدة ومع من يجب أن تكون ؟ وفي سبيل ماذا ؟ ووراء ذلك تقف الانتهازية التى تريد تحويل اليسار الى قوة انتخابية متصالحة مع السائد ومشاركة في الحكم لتحقيق مكاسب شخصية وفئوية. و نحن نرى أن اليسار التونسي عريق في كفاحه و الانتهازية تحاول الآن السيطرة عليه بمعاضدة الرجعية المحلية والامبريالية لأجل ذلك هناك حاجة إلى قراءة عميقة لتجربته وبالأخص ضرورة الاشتغال على أرشيف الحركة اليسارية التونسية، فهناك جهل كبير بتاريخها واستيعاب دروسها والذين يتكلمون الآن باسمها أكثرهم في غربة عنها بل يخونونها علنا فأين نحن من تجارب العامل التونسي بخطوطه المختلفة و الشعلة والوطد وحزب الشعب الثوري الخ...؟ وكان المؤمل التقدم في علاقة بها ولكن الآن هناك تراجع بالقياس إليها. في ذلك الأرشيف هناك خطاب نظري و سياسي وهناك تاكتيك و استراتيجيا الخ... ودون تقييم تلك التجربة فإن اليسار لا يتقدم بل يمكن أن يتراجع إلى ما قبلها فالانتهازية تهيل التراب عليها وتدفنها وتعمل على أن لا يلتفت إليها أحد و حتى إن عادت إليها أحيانا فلكي تنشر وهم زعامتها التاريخية لليسار فهى تستثمر ذلك الماضي لتبرير خيانتها في الحاضر، معولة على النسيان فالأجيال الجديدة منفصلة عن الأجيال القديمة، بل هناك محاولة لترسيخ ثقافة تقديس الأب المزعوم الذي اختار في الأخير الواقعية و تصالح مع ما كان اليسار يعلن تضاده معه في السياسة والفكر أيضا ولو كان ذلك بالتبرك بأولياء الله وسفراء فرنسا وأمريكا.

4- الكلّ يعلم أنّك لست فقط أستاذ فلسفة ومثقف ثوري بل أنت أيضًا تمثل طرفًا سياسيًا (أمين عام حزب الكادحين الوطني الديمقراطي ).. فيما تتمثل المقاطعة التي دعوت إليها صلب "ملتقى مقاطعة إنتخابات 2014" وأيّ فرق بين حزب الكادحين وأحزاب معادية للديمقراطية "كحزب التحرير" نادت هي أيضًا بالمقاطعة ؟ لقد دعونا إلى المقاطعة النشيطة وعقدنا مع حلفائنا في ملتقى مقاطعة الانتخابات ندوة سياسية وأصدرنا بيانات ونصوصا ومقالات ورسوما ولافتات، وتم القيام بحملة لشرح موقف المقاطعة وكان شعارنا : المقاطعة مقاومة والمقاومة حياة، في تأكيد منا على الارتباط الديالكتيكى بين المقاطعة والمقاومة، ونحن نأمل أن يتحول الملتقى إلى إطار جبهوى للمقاومة الشعبية وأن يجمع بين صفوفه مختلف التيارات الثورية، وهى عديدة وتمتلك مخزونا نضاليا مهما وتتمتع بطاقات تتدفق حيوية غير أن ما ينقصها هو تنظيم عملها وتوحيده، لقد كان أداء الملتقى جيدا رغم الحصار الاعلامى والبوليسي ففي الوقت الذى تزعم فيه السلطة التونسية أنها ديمقراطية نراها تحجب موقف المقاطعة في وسائل إعلامها أما أجهزتها الأمنية فقد تولت اعتقال عدد من الرفاق وأرسلتهم إلى المحاكمة، ولم تستثن من ذلك حتى بعض الصحفيين الأجانب الذين التفتوا إلى موقف المقاطعة وقاموا بتغطيته إعلاميا مما أثار غضبها. أما بالنسبة الى الشق الثاني من سؤالك فنحن نقاطع انتخابات لا تتوفر فيها شروط الديمقراطية من موقع الدفاع عن الديمقراطية لا من موقع نقضها ونفيها فلسنا من هؤلاء الذين يقولون إن الانتخابات شر مطلق وكذبة دائمة فنحن نمارسها متى توفرت شروطها ولا نمارسها متى انعدمت فالانتخابات معركة يمكن خوضها بالمشاركة أو بالمقاطعة وفق الظروف التي تتم فيها والشروط التى تخضع لها وموازين القوى بين الطبقات المتنازعة أما الرجعية الدينية فإن بعضها يقاطع الديمقراطية بإطلاق مدفوعا برؤية ماضوية ترى فيها كفرا بالشرع، والبعض الآخر يستعملها كوسيلة للتخلص منها نهائيا بعد ذلك عند تأسيس نظام حكم ثيوقراطي. و نحن نرى أن الرجعيين يصنعون مفاهيمهم وأطروحاتهم ضمن خطاب التركيع والتطويع والاضطهاد، زاعمين أننا انعزاليون ومثلنا مثل حزب التحرير وغيره و ربما طالبوا غدا بإدراجنا في قائمة الإرهابيين وفرضوا الحجر علينا، وهم يفعلون ذلك للسيطرة على الشعب وكتم صوته فهم يعرفون أننا جزء من ذلك الصوت، ونحن في المقابل نرى أن هناك ثالوثا يقف اليوم قبالة الشعب يتكون سياسيا من اليمينين الديني والليبرالي والانتهازية وهذا الثالوث لا مجال للتقدم على طريق تنفيذ مهام 17 ديسمبر دون إلحاق الهزيمة به، وقد تطول المعركة او تقصر ولكنها في كل الحالات ستستمر بأشكال مختلفة قبل أن يحقق الشعب نصره.

5- من أهم الشعارات التي أتت بها الثورة الثقافية الصينية شعار "تجرأ على الكفاح .. تجرأ على الانتصار " فهل جرأتكم في الدعوة إلى المقاطعة هي انتصار للديمقراطية الجديدة التي تدعو إليها ؟ نحن نرى أن هناك أنواعا مختلفة من الديمقراطية، الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية الشعبية والديمقراطية العمالية الخ... وبالتالي فإن الديمقراطية كجوهر لا وجود لها، غير أن الليبرالية السائدة في عالم اليوم تزعم ان ديمقراطيتها هي الديمقراطية الحقيقية والوحيدة، وهذا فيه جانب كبير من المخاتلة والغطرسة على المستويين النظري والعملي، وهناك مسعى لربط الانتفاضات العربية بالديمقراطية الليبرالية وتصويرها على أنها مجرد رد فعل ضد الاستبداد وغياب الحريات وأنه يكفى تنظيم انتخابات وإيجاد أحزاب وجمعيات وجرائد و إذاعات لكي تحل المشاكل التي حركت تلك الانتفاضات. أمّا عن مفهوم الديمقراطية الجديدة فقد استعمله ماوتسي تونغ في علاقة بالصين والمستعمرات وأشباهها وهو يعني بالنسبة إلينا عربيا تحقيق الاستقلال الوطني الفعلي والديمقراطية الشعبية وتوحيد الوطن وحل المشكلة الزراعية، وهي مهام لم تتحقق بعد، لذلك قلنا منذ البداية أنّ الثورة لم تقع وأنّ الانتفاضات العربية خطوة مهمة على طريق تلك الثورة وأنّ على الكادحين مواصلة كفاحهم في سبيل ذلك. و نحن ملتزمون بالدفاع عن الديمقراطية الجديدة في دلالاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية، في تناقض مع الديمقراطية القديمة ومعنيون بالربط بين الثورة الوطنية الديمقراطية والثورة الاشتراكية وذلك وفق تحليل لطبيعة المجتمع والثورة في تونس والوطن العربي كله فالديمقراطية القديمة في معناها البرجوازي متجاوزة تاريخيا في رأينا، وقد هرمت الآن ولم تعد تستجيب لتطلعات الكادحين في عالمنا بل انها أصبحت مجرد أداة لقمعهم.

6- كيف تروْن دور المثقفين التقدميين في تجنيب البلاد سيناريوهات كارثية ممكنة في الأشهر والسنوات القادمة ؟ بلادنا في أزمة وتحدق بها كوارث شتّى، و المثقف الثوري يمكنه المساهمة في الكفاح بتشريح الأزمة من موقع النقد والانخراط في الممارسة الثورية، وغنيّ عن البيان ان فيلسوفا ومثقفا مثل غرامشي لم يكتف فقط ينقد المجتمع البرجوازي الذي عاش في كنفه وإنما كان أيضا مؤسسا وقائدا للحزب الشيوعى الايطالي، أمّا ماركس وأنجلس فقد كانا بالإضافة الى فلسفتهما من قادة الأممية الأولى وهما من صاغا بيان الحزب الشيوعي ذائع الشهرة. وهناك من يتأفف اليوم من بين المثقفين من السياسة ويتعالى عن النظر في معضلاتها منزويا في صومعته بينما تمثل الآن الحلقة الرئيسية أي المجال الأشد أهمية وخطورة في كفاح الشعب، فهى التي تتكثف فيها شتى الصراعات الاجتماعية والويل لأمة لا يلتفت مثقفوها إلى السياسة. لقد قاوم الشعب أعداءه خلال انتفاضته الأخيرة، ولكن من استأثر بفائض قيمة النضال الشعبي ؟ كيف تم توزيع فائض القيمة ذاك ؟ ألم يأخذ طريقه إلى جيوب الرجعية ويتحول الى فائض قيمة حقيقي، أي مالا وأعمالا ؟ إن هذه وتلك من القضايا الشائكة للانتفاضة التونسية تحتاج إلى التفات المثقفين النقديين وعندما يتعلق الأمر بأزمة تبحث عن حلّ مثلما الحال في بلدنا، أزمة في حاجة إلى من يتمثلها ويرسم سبيل التعامل معها. فان المثقف الثوري أمامه الكثير مما ينبغي فعله فالأيّـام العظيمة فى أوضاع متحركة بسرعة كما يقول لينين تضم في أحشائها عشرات السنين وهو ما يستدعي نظر المثقفين. و الفلسفة على سبيل الذكر يجب أن تعي الاضطهاد المسلط على البشر من قبل البشر أنفسهم، وأن تجعل ذلك الاضطهاد أشد وطأة بتيسير وعيه من قبل المضطهَدين، وبالتالي ربط الصلة بينها وبين أوسع الناس الذين ينبغي أن تتوجه إليهم بخطابها العقلي النقدي وفي هذا الإطار فقط نفهم صرخة ديدرو: لنعجـــــّــــل بجعـل الفلسفة شعبــية . وعلى المثقفين أن يكفوا عن الامتلاء كبرياء ارستقراطيا لأنّ "العامّة" لا تفهم ما يقولون فيتركون الجموع فريسة لشيوخ التضليل ومثقفي السلاطين، وبالتالي أن يقطعوا مع تلك العادة التي نشأت مع طاليس الذي كان يتأمل النجوم ولا يلتفت للحفر التي أمامه حتى أنه سقط في إحداها فأثار سخرية خادمته، لقد كان ماركس يردد : "إن سلاح النقد لا يمكن أن يحل محـــل نقد السلاح، القوة المادية لا يمكن القضاء عليها إلا بالقوة المادية، لكن النظرية تغدو هي أيضا قوة مادية حين تستحوذ على الجماهير ".

7 - ماذا يميز حزب الكادحين الوطني الديمقراطي عن بقية التنظيمات الوطنية الديمقراطية ؟ وهل ما تطرحونه كبديل جماهيري واسع يرصّ صفوف الوطنيين الديمقراطيين ؟ نحن نحاول ان نرسي تجربة جديدة للعمل الثوري في تونس من خلال التعامل مع السياسة لا كخطابة وعواطف ومشاعر جياشة وإنما كعلم للثورة لذلك فإن عملنا الفكري والسياسي يتشكل في ارتباط بالوقائع العينية التي نبحث في صميمها عن الحقائق ونسعى أن تكون ممارستنا خاضعة لذلك، وبالتالي إقامة قطيعة مع ترديد الموضوعات الإيديولوجية بمناسبة وبغيرها، واجترار الوقائع التاريخية السابقة، أي الارتقاء بالسياسة إلى مستوى التمثل الفلسفي واختبار النظرية في الواقع، وفضلا عن هذا نعمل على توحيد المجموعات الوطنية الديمقراطية حزبيا وجبهويا وهو ما جسدنا البعض منه فعليا، ونحن نعتقد أن ما قدمناه على الأصعدة الفكرية والسياسية والتنظيمية يمكنه المساعدة على رص صفوف الوطنيين الديمقراطيين وتوحيدهم، وتجربتنا ملك لمختلف المناضلين المعنيين بانجاز تلك المهمة.

8 - حاولتم في كتابكم "تونس : الانتفاضة والثورة" نقض الفكرة القائلة أنّ ما وقع في تونس هو ثورة كما نقدتم مقولة "الانتقال الديمقراطي " والتدليل على أن ما وقع هو انتفاضة إلاّ أنّكم تغاضيتم على ضرورة رسم دليل تكتيكي واستراتيجي لقوى الانتفاضة في مواصلة نضالها الدؤوب نحو التحرر.. فما ردّكم على ذلك ؟ لم يكن كتاب "تونس : الانتفاضة و الثورة" معنيا رئيسيا برسم خط استراتيجي وتاكتيكى لقوى الانتفاضة بشكل مباشر وإنما شرح وتحليل ما جرى واستخلاص الدروس، فما تضمنه كتب قبل الانتفاضة وأثناءها وبعدها، وهو ما يصح أيضا على الكتاب الثاني : "الربيع العربي والمخاتلة في الدين و السياسة"، وان كان قد كتب بعد تهريب بن على، ويظل مركز الاهتمام في الكتابين تفسير ما حدث و لكنهما لا يخلوان من رسم مهام و تحديد أهداف والتنبيه أيضا إلى وسائل وصيغ الكفاح.

9- غيّـب الإعلام (العمومي والخاص) مسألة المقاطعة معتبرا إياها مسبقًا مدعاة إلى الفوضى لماذا غيبكم الإعلام من الحضور في برامجه ؟ وهل من رؤية لمثقفي المقاومة لفك الحصار ؟ يوجد الإعلام في قلب الصراع الطبقي و حياده مجرد نكتة سمجة، ولكن هناك صحافيين يمارسون مهمتهم كمرايا للمجتمع مجذفين بصعوبة ضد التيار، ونحن نحييهم على ما يقومون به، و في مناسبات مختلفة أجرى معي بعضهم مقابلات غير أنهم لم يتمكنوا من نشرها في المنابر الإعلامية التي يشتغلون فيها. إنّ الديمقراطية تعني في جانب منها امتلاك الشعب القدرة على التعبير عن نفسه ولكن آليات ممارساتها في المجتمعات البرجوازية والإقطاعية تحيل الكادحين على الصمت وتخرجهم من مجال السياسة التي تصبح من اختصاص القلة الحاكمة ولاختراق السياج وكسر الحصار يجب التعويل رئيسيا على الإعلام الثوري البديل.

10 - كأكاديمي مطلع على تاريخ حركة الشبيبة الثورية على المستوى العالمي ودورها في المنعرجات الاجتماعية الكبرى في بلدان عديدة.. أيّ نقد أو ملاحظات توجهونها لرابطة النضال الشبابي ؟ رابطة النضال الشبابي مكسب للشبيبة الثورية على صعيد التنظيم وقد حافظت فكريا وسياسيا على جوهر الخط العام للحركة التحررية الوطنية والاشتراكية في تونس والوطن العربي والعالم، وهذا مهم جدا في الوقت الذي ينتشر فيه الوهم الاشتراكي الديمقراطي الذى يجد أصوله في الأممية الثانية، مسببا الكثير من الضرر في أوساط الشبيبة، وبإمكان الرابطة أن تتطور قدما لكي تصبح منظمة جماهيرية تجمع في صفوفها أغلب الطلبة الوطنيين الديمقراطيين الثوريين، ولمَ لا التلاميذ والمعطلين أيضا، وقد يكون أمامها الاختيار بين أن تكون فصيلا حزبيا ضيقا أو منظمة جماهيرية ثورية واسعة.

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

 
 
 
bottom of page