top of page

مشروع تعطيــل المعطّليــن

وزارة التّربية عبر موقعها الرسمي على الأنترنات عن فتح مناظرة لقبول 561 معطّلا عن العمل في سلك القيّمين الأول. وقد فتح هذا البلاغ بصيصا من الأمل لدى عدد من المعطّلين عن العمل ممّن طال انتظارهم لليوم الذي يُدمجون فيه في سوق الشّغل علّهم يحسّنون ولو نسبيّا من أوضاعهم الاجتماعيّة الصّعبة أو حتّى يمتلكون عادة مدّ أيديهم إلى جيوبهم بدل مدّها إلى أوليائهم أو أصدقائهم إذا ما أرادوا قضاء أبسط حاجياتهم الاستهلاكية اليومية. ومقابل من هذا البصيص من الأمل، تضاعف الشعور بالألم لدى أغلبيّة المعطّلين الذين وجدوا أنفسهم على هامش هذه المناظرة بعد أن طال انتظارهم وهم جالسين على قارعة هذه الحياة، فتجرّعوا مرارة اغتيال أحلامهم ببلاغ لم يراع حتّى نفسيّة هؤلاء التي تعاني أصلا من تبعات الإقصاء الاجتماعي والخيبات المتتالية التي أهدتها إليهم الحكومات المتعاقبة التي كلّما حلّت واحدة منها إلاّ وجعلت قضيّة التشغيل في طليعة اهتماماتها والقضايا التي تعد بحلّها.

هذه المناظرة التي أقصت جزءا كبيرا من خرّيجي مؤسسات التعليم العالي لم تكن مجرّد اجتهاد عمد إليه وزير التّربية في تلك اللّحظة، وإنّما هي تندرج في إطار أشمل كان قد وضعه هذا الوزير في علاقة بالمناظرة الخاصة بانتداب القيمين الأول ليكون قاعدة لجميع المناظرات التي تخصّ هذا السلك. لذلك أتت هذه الشروط منسجمة مع هذا التمشي وخاضعة للقاعدة التي أراد إرساءها فقد أصدر هذا الوزير قرارا مؤرّخا في 27 نوفمبر 2014 يتعلق بضبط كيفية تنظيم المناظرة الخارجية بالاختبارات لانتداب قيمين أولين. وقد تمّ في الفصل الثّاني من هذا القرار تحديد الشروط المتعلّقة بالمترشّحين المخوّل لهم المشاركة في هذه المناظرة من حيث السن والتخصّص التعليمي، فورد هذ الفصل كالتّالي: " تفتح المناظرة الخارجية بالاختبارات لانتداب القيمين الأولين للمترشحين الخارجيين البالغين من العمر أربعين (40) سنة على الأكثر تحتسب وفقا لأحكام الأمر عدد 1031 لسنة 2006 المؤرخ في 13 أفريل 2006 المشار إليه أعلاه المحرزين على الشهادة الوطنية للإجازة أو الأستاذية أو على شهادة معادلة لها في اختصاص علم النفس أو علم الاجتماع أو علوم التربية".

وبغضّ النّظر عن العدد النهائي الذي سيتمّ قبوله ومحدوديته بالنسبة لأعداد العاطلين، فإنّ هذا القرار ينمّ عن توجّه يحمل أبعادا خطيرة سيتحمّل آثارها المعطّلون. فعمليّة الإقصاء لبقيّة الاختصاصات فيها ضرب لقاعدة التساوي في الحظوظ وتهميش متعمّد لخرّيجي بقيّة الاختصاصات إذ لا يوجد أيّ مبرّر مقنع يحتّم اختيار الاختصاصات الثلاثة المذكورة في هذا القرار دون غيرها إلاّ إذا كان الوزير يرى أنّ خرّيجي هذه الاختصاصات وحدهم قادرون على الاضطلاع بالوظيفة المعنيّة، وإذا كان ذلك كذلك فما على وزارة التعليم العالي إلاّ إدراج اختصاص جامعي باسم هذه الوظيفة. كما أنّ هذا القرار يهدف إلى زرع بذور الخلاف بين مختلف الخرّيجين بما أنّ بعضهم يتمتّعون بامتيازات لا يتمتع بها غيرهم. ثمّ، هل فكّر الوزير، لحظة إبداعه لهذا القرار، في مصير خرّيجي هذه الاختصاصات الثلاثة في مناظرات غير القيّمين الأوّل ؟ أم أنّه كان سيلجأ، لو طال به المقـام في هذه الوزارة، في كلّ مرّة إلى منح هذا الامتياز لعدد من الاختصاصات دون غيرها في كلّ مناظرة يتمّ التفكير في إنجازها ؟

إنّ هذا القـرار لا ينمّ إلاّ على الالتزام بضرورة تعطيل المعطّلين عن الشّغل، وهو يندرج في إطار سياسة أشمل عملت حكومة جمعة على تنفيذها وستعمل الحكومة الجديدة على مواصلتها احتراما لاملاءات صندوق النقد والبنك الدّوليين، وهي الحدّ قدر الإمكان من الانتداب في الوظيفة العموميّة من اجل الضّغط أكثر ما يمكن على الإنفاق العمومي لتضمن سداد القروض الطّائلة التي تمنحها تلك المؤسسات الدولية لهذه الحكومات وفوائضها العالية.

في علاقة بذلك ، فإنّ أصواتا من خارج السّلطة التنفيذيّة بدأت تصدح بتصريحات معادية للتشغيل وللعاطلين عن العمل وتدعو إلى إيقاف الانتدابات. وإذا كانت هذه الدّعوات تعدّ سابقة باعتبار الصفاقة التي امتلكتها للتعبير عن موقفها هذا خصوصا من داخل مجلس النوّاب، فإنه لا غرابة فيها باعتبار صدورها عن نائب ينتمي إلى حزب ليبرالي اعتمد رئيسه في حملته الانتخابيّة على شراء الأصوات بعد أن نجح في شراء جمعيّات رياضيّة بأكملها .

مقابل هذه التصريحات، وهذه القرارات، القائمة على الإقصاء والهادفة إلى حرمــان مئات الآلاف من أسباب الحياة، كان ردّ جمعية المعطّلين عن العمل (UDC) محتشما جدّا ولا يليق بمنخرطيها ولا بالمكانة التي اكتسبتها منذ اندلاع الانتفاضة. إذ، باستثناء بعض التحرّكات المحدودة في المكان والزّمان، وبعض التصريحات الصحفيّة، لم تقدر هذه المنظّمة على تنظيم أيّ شكل احتجاجيّ وطنيّ، ولا على إصدار بلاغ رسميّ ضدّ قرار ذاك الوزير أو تصريحات ذلك النّائب. وأمام هذا الصّمت الذي التزمت به الجمعيّة ممثّلة في مكتبها المركزي، اضطرّ المعطّلون في بعض الجهات إلى تنظيم وقفات احتجاجيّة علّهم بذلك يبعثون الحياة في الجسم الذي كان إلى وقت قريب في طليعة الحركة الاحتجاجيّة الاجتماعيّة. فيوم 30 جانفي عبّر المعطلون عن العمل بولاية الكاف عن غضبهم لما اعتبروه شكلا من أشكال الإقصاء الممنهج لخريجي التعليم العالي، وطالبوا بتشريك مختلف الاختصاصات العلمية في المناظرة مع مراعاة الأقدمية في السن وسنة التخرج والحالة الاجتماعية. وفي سيدي بوزيد نفّذ يوم الثلاثاء 10 فيفري 2015 أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل بالولاية وقفة احتجاجية أمام مقر الولاية بالجهة، وقد شارك في هذه الوقفة الاحتجاجية عدد كبير من الشبان توافدوا من كافة معتمديات الولاية رافعين عددا من الشعارات التي تطالب بحقهم الشرعي في التشغيل والكرامة لضمان العيش الكريم، وقد عبّر المحتجّون ان هذا التحرك يأتي بعد مواصلة الحكومة إعلان عدد من المناظرات لا تتطلع لمستوى طموحاتهم منددين بفرض الطابع الجبائي المقدربـ 15 دينارا و الموظّف عليهم في أغلب المناظرات.

إنّ هذا الجيش من المعطّلين عن العمل يمثّل، في ظلّ تواصل سياسة الحدّ من التشغيل التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة والخاضعة لبرامج الدّوائر الماليّة العالميّة، رافدا هامّا من روافد الحركة الاجتماعيّة الرّافضة لهذه السياسة الممنهجة التي تستهدف الطّبقات الكادحة بأكملها، وهو قادر على خوض الصّراع الاجتماعي صلب الحركة الشعبيّة التي لم تستسلم لهذه السياسات وظلّت تقاوم قوانين ومشاريع التفقير والتهميش، شرط أن لا يدبّ إلى صفوفه اليأس وأن يعي أنّ انتفاضة 17 ديسمبر التي أوقدها العاطلون وكانوا هم حطبها مازالت أسباب اشتعالها قائمة بعد خاصّة وأنّه لم يتحقّق من شعاراتها لا الشغل ولا الحريّة ولا الكرامة الوطنيّة.


 
 
 

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

bottom of page