
ظلّ مفهوم الإرهاب حتى الآن دون تعريف. وبرغم ذلك فقد عقدت مؤتمرات حول الإرهاب وشنت الحروب لأجل القضاء عليه، وانعدام وجود تحديد لذلك المفهوم قد يكون مقصودا، إذ يسهل على القوى المسيطرة التلاعب به في أي وقت فتفصّله على قياس كل حالة من الحالات التي تواجهها. فهذا الالتباس يُسهّل وصف أية مقاومــة مشروعة بأنها إرهاب، كما يُسهل وصف إرهاب فعلي بأنه دفاع مشروع عن الذات ، ومن هنا أهمية التفريق بين المقاومة والإرهاب والحذر من الخلط بينهما .
و ما نسميه اليوم إرهابا في البلاد العربية ومنها تونس، يتمثل في نشاط عصابات منظمة ذات توجهات يمينية دينية تكفيرية معادية للشعب و الوطن ، تستعمل السلاح بهدف السيطرة على السلطة السياسية وإعادة تشكيل المجتمع وفق تلك التوجهات، وذلك النشاط يتسع الآن وسيزداد انتشارا في المدى القصير، ولكنه محكوم بالفشل بالمعنى الاستراتيجي، فصناعه الكبار سيتخلون عنه شيئا فشيئا متى زالت الحاجة إليه ، كما أن حاضنته الشعبية شبه منعدمة مما يفقده عناصر القوة التي تسمح له بالبقاء على المدى الطويل .
و ذكر أنه قبل أن يدرك الإرهاب في نسخته الحالية نهايته ستجرى معارك شرسة وستقترب العمليات العسكرية من وضع الحرب الشاملة ، التي سيكون ضحاياها رئيسيا من بين الكادحيـن الذين سيدخلون بدورهم المعركة طوعا آو كرها ، مما يطرح على الأحزاب والمنظمات السياسية و النقابية و الحقوقية و النسوية و المثقفين و الصحفيين وسائر فئات الشعب الاستيقاظ قبل فوات الأوان لضبط إستراتيجية شعبية للمقاومة والدفاع الذاتي .
و إذا كانت هذه الظاهرة تتغذّى محليا من الفقر و البطالة و غلاء الأسعار و التهريب والتفاوت الجهوي و تفاهة الثقافة الرائجة وانحطاط التعليم ، أي من الأزمة المعممة التي تمر بها تونس فإنّ حلّ تلك المشكلات يُمثل السبيل الأمثل للقضاء عليها ، وهذا يتطلب السير مجددا على الطريق الذي خطته انتفاضة 17 ديسمبر بشعاراتها ومهامهما المعروفة، فقد أستعمل الإرهاب لاغتيال الانتفاضة و سجل على هذا الصعيد نجاحا لا يستهان به مُفسحا المجال أمام ترميم البني السياسية والاقتصادية و الاجتماعية والثقافية السائدة ، وأنه قد يستعمل كذريعة لإعادة الهيمنة الاستعمارية المباشرة إلى ما كانت عليه سابقا ، وهو ما بدأت نذره تلوح في الأفق بالنسبة إلى عدد من الأقطار.
لقد نجحت قوى عالمية مهيمنة جزئيا على الأقل في إرجاع الإرهاب الديني إلى المكان الذي جاء منه، خاصة بعد أحداث البرجيْـن، و قد أحدث ذلك دمارا مروعا و أدّى خاصّة إلى لجم الجماهير المنتفضة التي أضحت تطلب أمنها و سلامتها أكثر من طلبها حقوقها السياسية والاجتماعية، و أصبحت قوات حلف الأطلسي مُرحّبا بها في أغلب الأقطار العربية بل إنها أحيانا لا تلبّي الطلب وتترك الأطراف المتصارعة تدفن بعضها البعض وهي تطلق صيحات النصر.
ورغم ما يجري من فظائع فــإنّ الأحداث الرّاهنة لا تعوزها بعض العناصر الإيجابية، فقد أيقظت ملايين البشر على الوجه البشع للإرهاب الذي يتلاعب بالعواطف الدينية، فالشعوب والأمم لا تتعلم غالبا الدروس إلاّ وهي تعــاني من الألــم، مثل الأمّ التي لا تنجب وليــدها دون مخــاض عسير.
طريق الثــورة، فيفري/مارس 2015