top of page

أكــاذيب صندوق النّقد الدّولي حول تــونس


أصدر صندوق النّـقد الدولي بيانا أدلى به أمين ماتي، رئيس بعثة الصندوق إلى تونس، وذلك يوم 26 أوت 2015 عقب اختتام بعثة الصندوق لمشاورات المادة الرابعة لعام2015 مع تونس بشأن المراجعة السادسة في ظل اتفاق الاستعداد الائتماني وتعلن التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء.

وقد جاء في مقدّمة هذا البيـان: " توصّل خبراء الصندوق إلى مجموعة من التفاهمات على مستوى الخبراء مع السلطات التونسية بشأن المراجعة السادسة في ظل اتفاق الاستعداد الائتماني".

وستقوم إدارة الصندوق ومجلسه التنفيذي بمناقشة هذه المراجعة في أواخر شهر سبتمبر الجاري. وإذا ما تمّ إقرار هذه المراجعة والموافقة على الاتّفاقات الحاصلة، سيتيح الصندوق للدولة التونسية الانتفاع بحوالي 303.08 مليون دولار أمريكي.

وحسب هذا البيان، فإنّ بعثة الصندوق أعربت عن ارتياحها لاستمرار السلطات التونسية في تنفيذ "برنامجها الاقتصادي الوطني بعد اختتامها بنجاح عملية التحول السياسي".

و سجّلت البعثة، حسب بيان رئيسها، التراجع في نسبة النمو الاقتصادي مقارنة بسنة 2014 وهي تتوقّع أن ينزل إلى نسبة 1 %خلال هذه السنة بعد أن بلغ 2.4% خلال السنة المـاضية.

وكعادتها أوجدت بعثة الصندوق مبرّرات جاهزة من قبل السلطات التونسية لتبرير هذا التراجع، فزيادة على الركود الاقتصادي العالمي، مثلت العمليات الإرهابيّة والاحتجاجات الاجتماعية السبب الرئيسي في تباطؤ النشاط الاقتصادي. ولم يفت البعثـة أن تهاجم الزيادة في الأجور في القطاع العـام دون أن تشير إلى الضعف الشديد لهذه الزيادات وتأخّرها ودون أن تشير أيضا إلى ما يشهده مؤشر الأسعـار من زيادة سريعة.

مقابل ذلك رحّبت البعثة بالتخفيض الحـاصل في دعم المواد الطّاقيّة، وهذا ما يؤكّد أنّ الدّولـة التونسيّة تطبّق بكلّ جديّة توصيات إدارة الصندوق. كما عبّرت عن ارتياحها للإصلاحات المتّخذة في القطاع المصرفي من خلال الخطوات الأخيرة والمتمثّلة في إعادة رسملة البنوك العمومية وحوكمتها، وعبّرت البعثة في هذا الإطار عن أملها في أن يتمّ اعتماد قانون جديد للبنوك وتعزيز الإطار الرقابي والتنظيمي لإنشاء قطاع مصرفي حديث وتيسير أنشطة الوساطة في القطاع المالي. وقد كان الصندوق أوصى السلطات التونسيّة منذ سنوات بضرورة إدخال إصلاحات كبيرة على القطاع المصرفي منها الرسملة وإعادة الهيكلة وهى من أهمّ الشروط التي ظلت بعثات الصندوق تراقب مدى التقدّم في إنجازها.

و يبدو نفاق بعثة الصندوق بكلّ جلاء في الجملة التالية: "ويجري حاليا تحقيق تقدم في تنفيذ جدول أعمال السلطات الزّاخر بالإصلاحات"، وهي جملة تؤكّد المغالطات الكبرى التي تنشرها المؤسسات المالية العالميّة حول الأنظمة الرجعية المرتبطة بها والغارقة في الديون في محاولة منها لإيهام الشعوب بأنّ أنظمتها تقوم بمجهودات جبّارة لحلّ مشاكلها مثل البطالة وغيرها رغم الظروف الصعبة.

وقد أكّدت البعثة أنّ نسبة البطالة البالغة 15.2 %تدعو إلى المضي قدما بالإصلاحات الهيكلية لتشجيع خلق فرص العمل والمساعدة في تلبية تطلعات الشعب التونسي.

إنّ المتتبّع لمثل هذه التصريحات من جهة وللواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي وحتّى السياسي من جهة أخرى يتأكّد لديه أن هذه التصريحات لا همّ لها إلاّ العمل قدر الإمكان على ضمان رضاء إدارة الصندوق على "إنجازات" الدولة التونسيّة حتّى تضمن حصول هذه الدّولة على الأقساط المتبقيّة من القرض الائتماني لمزيد إغراقها في الديون المتراكمة التي سيجد جزء كبير منها طريقه إلى حسابات وجيوب كبار البرجوازيين بينما يُجبر الكادحون على تسديد تلك الديون وفوائضها.

فالمتأمّل في ما يجري على الأرض لا يمكنه إلاّ أن يسخر ممّا ورد في هذا البيـان، فلا الحكومة الحـاليّة و لا الحكومات التي سبقتها، حملت برنامجا إصلاحيا ولا هي أنجزت إصلاحات أو إصلاحات هيكليّة كما ورد في هذا البيـان، وإنّما كلّ ما قامت به هو تنفيذ أغلب ما أملاه عليها هذا الصندوق وكذلك البنك الدّولي. وإنّ ما يـراه الصندوق إصلاحات هو في حقيقة الأمـر مزيد من التفقير ومن البؤس وضعف الخدمات العموميّة وتردّيها إلى مستويات قياسيّة وتدهور كبير في المقدرة الشرائيّة لأغلب الطبقات الاجتماعية وليس لذوي الدخل المحدود فحسب.

ولا يفوت المطّلع على هذا البيان أن يتفّطّن إلى غياب أدنى إشارة إلى الأزمـة الحادّة التي بات يتخبّط فيها الاقتصاد في تونس، رغم الإشارة إلى تراجع النموّ، بل إنّ عبارة الترحيب تكرّرت عدّة مرّات في هذا النص، وهذا يثير الاستغراب حقّا من مدى جديّة هذه البعثة. فحتّى الدّولة التونسيّة كانت قد أعلنت، من خلال تقرير للبنك المركزي، عن دخول الاقتصاد مرحلة الانكماش وهي المرحلة التي تسبق مرحلة الإعلان عن الإفلاس. ويشهد الاقتصاد فعلا تدهورا متواصلا بفعل غياب أيّ برنامج اقتصادي للحكومة المنبثقة عن انتخابات ترى الأوساط الإمبرياليّة أنّها أنهت مع ما أسمته "مرحلة الانتقال الدّيمقراطي" لتؤسّس بعدها لمرحلة الاستقرار السياسي والديمقراطية والتنمية الاقتصادية والبشريّة.

و في أواخر شهر سبتمبر استكمل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي المراجعة السادسة لأداء تونس في إطار اتفاق الاستعداد الائتماني، وقد أفضت هذه المراجعة كما كان متوقّعا إلى الموافقة على تمكين تونس من صرف 301.6 مليون دولار، أي ما يعادل حوالي 599 مليون دينار. وبهذا الشّكل، فإنّ بيـان أمين ماتي، رئيس بعثة الصندوق إلى تونس، الصّادر في 26 أوت يكون قد أتى على ذكر كلّ "المــزايا" التي تتوفّر في النظام السياسي في تونس وكلّ "الإنجازات" التي حقّقها هذا النّظام ليس على المستوى السياسي فحسب من خلال إرساء مستلزمات الديمقراطية وإنّما كذلك الإنجازات على الصّعيديْن الاقتصادي والاجتماعي. وبما أنّ الدّولـة التّونسيّة كانت وفيّــة، كعادتها، لاملاءات الصّندوق، فإنّ إدارته رأت من الـواجب عليها أن تبادل حريفهـا نفس الـوفاء وأن تلتزم بمنحه ما يستحقّه من مبالغ في إطار اتّفاقيّات القروض التي لا تنتهي والتي تجسّد أحد أوجه العلاقة التي تربط المستعمرات وأشباهها بناهبيها.

و في إطـار نفس هذه العلاقـة، أعلن البنك الدولي يوم 2 أكتوبر 2015 عن تقديم قرض جديد لتونس تبلغ قيمته 500 مليون دولار أي ما يعادل 985.6 مليون دينار. وحسب هذه المؤسسة، فإنّ موجب تقديم هذا القرض يتمثّل في مواجهة الآثار الاقتصادية الناجمة عن الهجمات الإرهابية التي شهدتها تونس في الفترة الأخيرة ولمواصلة التقدّم في برنامج الإصلاحات الجارية .وكما هو الشّأن بالنسبة لما ورد في بيان بعثة صندوق النّقد، لا يخجل مسؤولو هذا البنك من تكرار الأكاذيب حول الدّولة التونسيّة من ذلك "مساندة التغييرات التي تمخّضت عنها ثورة 2011، وتهيئة الساحة لتحقيق نمو يشمل الجميع وخلق فرص للعمل على المدى المتوسط" .

 
 
 

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

bottom of page