تونس : الرّئــيس يظلّ رئيسا حتّى بعد انتهاء رئاسته
صدر بالرّائد الرّسمي عدد 79 لسنة 2015 نص القانون عدد 38 لسنة 2015 المؤرّخ في 22 سبتمبر 2015 والمتعلّق بالمنافع المخوّلة لرؤساء الجمهورية بعد انتهاء مهامّهم. وقد تمّت المصادقة على هذا القانون من قبل مجلس النواب في جلسة يوم 8 سبتمبر 2015.
يمنح هذا القــانون امتيازات واسعـة لرئيس الدّولـة، وهذا على خلاف ما تمّ التّرويج له منذ كان مشروعـا على أنّه سيقلّص من الامتيازات التي كان يحصل عليها وفق القانون السابق، أي قـانون بن علي عدد 88 لسنة 2005.
ويوفّر هذا القانون امتيازات لشخص الرّئيس بعد انتهاء رئاسته وتتمثّل في جراية تقاعد توازي "المنحة" التي يحصل عليها أثناء الرّئاسة. ومع أنّه لم يتم التنصيص على عدد السنوات التي يجب أن يقضّيها المنتفع بهذه الجراية في منصبه، إلاّ أنّ هذه المدّة التي لا تتجاوز في أقصى الحالات 5 سنوات (إذا أنهى الرئيس دورة رئاسية واحدة) تكفي لوحدها الرئيس ليحصل على جراية تساوي 100 بالمائة ما كان يحصل عليه خلال أداء وظيفته، وهذا يناقض نظام الجرايات للأعوان العموميين. فالعون العادي مطالب بقضاء 15 سنة ليصبح له الحق في التمتع بجراية، وهذا الاختلاف ينسحب أيضا على قوانين التقاعد بالنسبة للوزراء والمستشارين والنواب والولاّة الذين يتمتّعون بقوانين استثنائيّة أو خصوصيّة تمنحهم امتيازات هامّة في هذا المجال. وإذا كان رئيس الدّولة المتقاعد يحصل فور إنهاء مهامّه على جراية تقاعد مساوية لأجره أثناء أداء مهامّه، فإنّ العون العمومي يقضي فترة عمل طويلة نسبيا لبلوغ أقصى مبلغ للجراية إذ يتمّ احتساب 2 % عن كل سنة بالنسبة إلى العشر سنوات الأولى و3 % عن كل سنة بالنسبة إلى العشر سنوات الثانية وأخيرا 2 % عن كل سنة لما تبقّى من السنوات دون أن تتجاوز النسبة في كل الحالات 90 % من المرتب المعتمد في تصفية الجراية. وهذا يعني أن العون لا يمكنه بلوغ النسبة القصوى إلا بعد قضاء 40 سنة في العمل. وإذا علمنا أن السن القانونية للأنظمة العادية هو 60 سنة (قبل الترفيع فيها) فإن العون لا يمكن له بلوغ الحد الأقصى للجراية إلا إذا اشتغل في سن العشرين وهي حالة نادرة جدّا.
وبهذا الخصوص لم يتمّ تغيير أيّ شيء في قانون بن علي حتّى أنّ هذا القانون قد حافظ على نفس الصياغة الواردة في القانون القديم تقريبا (جراية عمرية تعادل المنحة الجمليّة الشهريّة المخوّلة لرئيس الجمهورية المباشر).
ومن الامتيازات الأخرى التي يتمتّع بها رئيس الدولة بعد انتهاء مهامّه منحة السّكن وقد تمّ تحديد قيمتها بـ 3 آلاف دينار شهريّا مع الترفيع فيها بنسبة 5% كلّ ثلاث سنوات. وإذا كان هذا القانون قد حدّد القيمة الماليّة لمنحة السّكن، فإنّه أيضا لا يختلف عن قانون بن علي في هذا الشّأن بالرّغم من أنّ هذا الأخير قد وفّر لرئيس الدولة المنتهية رئاسته محلّ سكنى مؤثث تتوفّر فيه جميع الضروريات والكماليات من وسائل التدفئة إلى الخدم دون أن يتمّ تحديد قيمتها الماليّة. ولا يختلف الأمر كثيرا كذلك في ما يخصّ الامتيازات الأخرى، وبالتّحديد الامتيازات المتعلّقة بالتنقّل. فقد وفّر هذا القانون لرئيس الدّولة المتقاعد الانتفاع بسيّارة وبـ 500 لتر من البنزين مجانا في كلّ شهر، وهنا على المرء أن يتساءل: ما دام الرئيس السّابق قد أنهى مهامّه فما حاجته للسيّارة وللوقـود ؟؟
لقد ثبّت هذا القـانون الامتيازات التي وفّـرها قانون بن علي بالرّغـم من الإدّعاء بأنه ألغى سابقه ولكن ذلك لم يكن إلاّ شكليّا بما أنّ المضمون ظلّ نفسه تقريبا، وربّما أراد الرّئيس الحالي من هذا "الإلغـاء" أن يسجّل هدفا في مرمى منافسيه من الرّؤساء الذين سبقوه وحافظوا على نفس القانون القديم ويضيف بذلك إنجازا إلى تاريخه الحـافل بالإنجازات لصالح هذا النّظام الذي يشغل اليوم أعلى منصب فيه. وما يمكن استنتاجه وبكلّ اختصار من خلال قراءة سريعة لفصول هذا القانون أن الرّئيس سيبقى رئيسا حتّى بعد أن تنتهي مدّة رئــاسته.
إنّ هذا القانون، كغيره من القـوانين الخاصّة بامتيازات الوزراء ونواب التأسيسي ومجلس النواب المنتهية مهامّهم، يثقل كاهل الكادحين بمزيد من الضّرائب بدل أن يخفّف عنهم في ظلّ تدهور المقدرة الشرائية لأغلب فئات الشعب بسبب ارتفاع الأسعار. وهو يتناقض مع التصريحات المتتالية وصيحات الفزع التي يطلقها المسؤولون الرسميون بمن فيهم رئيس الدّولة ذاته حول الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها البلاد .
كما يتناقض هذا القانون بامتيازاته هذه مع الدعاية الإعلاميّة التي أحاطت بالرّئيس لمّا سرت أخبار عن اعتزامه التخلّي عن جانب من مرتّبه وكذلك لمّا تمّ التخفيض في الميزانيّة المخصّصة لرئاسة الدّولة لسنة 2015، وها هو مشروع ميزانية 2016 يحمل في طيّاته زيادة غير قليلة، أي بزهاء 9.5 مليون دينار لتصل إلى 96.9 م د مقابل 87.4 م د في سنة 2015.