يـوم 24 ديسمبر 2010، وبينمــا كان النّظام يعوّل على أجهزته القمعيّة لإخماد الاحتجاجات الشّعبيّة التي انتشرت في بعض البلدات من ولايـة سيدي بوزيد متجسّدة في المسيرات وبعض المواجهات اللّيليّة المتفرّقـة، وبينمـا كانت قواتـه القمعيّة تحاصر المدينة التي اتّقدت فيها شـرارة الانتفاضة قبل أسبـوع في نفس الـوقت الذي كانت وفـوده تحاول امتصاص الغضب الشّعبي عبر مساومات شتّى، في ذلك اليــوم حدث المنعرج الذي لم يتوقّعه النّظام ومختلف أجهزتـه.
فقد زاد تدخّـل قوّات القـمع وحصارها المفروض في احتقـان جماهير الكادحين وهو ما جعل الشّرارة التي أوقـدها بائع الخضر محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر تتّــسع نحـو إحـراق السّهل تحت أقـدام الرّجعيّة بعد أن بدأت كرة اللّهب تكبر شيئا فشيئا. يومهـا ألقى الرّفيق فريد العليبي وسط الجماهير الغاضبة في بلدة المكناسي كلمــات من نــار في ظلّ الحصار الأمني الذي يطوّق البـلدة عبّر فيها عن ضرورة رحيل تلك الـقـوّات، ومساء نفس اليـوم احتدّت المواجهـات بين الشبيبة المنتفضة من جهة وقوّات الأمن بمختلف أصنافها المحشودة في جهة سيدي بوزيد من الجهة المقـابلة وقد أدّت المصادمات في بلدتي المكناسي ومنزل بـوزيان المتجاورتين إلى سقــوط أوّل شهداء الانتفـاضة (محمد عمّاري) و10 جرحى بـرصاص قوّات الحرس في بلدة منزل بوزيّـان. وكان ذلك اليـوم منعرجا مهمّا في مسار الانتفـاضة الشعبيّة، فمن الغـد استفاقت المدن الكبرى ومنها تونس العاصمة على صدى تلك المصادمات وانتقلت إليهـا كرة اللّهب إذ انتظمت بها أوّل مظاهرة مساندة لاحتجاجات الكادحين وتمكّن المحتجّون من كسر الحصار الأمني المفروض.

و اليــوم، وبعد مرور خمسة أعـوام على اندلاع انتفاضة 17 ديسمبر، وإذ تقدّمت الطّبقـات السّائدة خطوات كبيرة في ترميم نظامها، وإذ اشتركت القوى الانتهازيّة في عمليّة التّرميم هذه من خلال مشاركتها في المسار الذي عبّدته القوى الرّجعيّة... فإنّ النّظام أصبح يعمل على محـو الانتفاضة من تاريخ هذا الشعب ومن ذاكرته معوّلا على ما يبثّه إعلامـه وعلى ما آلت إليه الأوضاع العامّـة وهو المسؤول عنها لا الشعب حتّى يستطيع تشويه أيّـام ومحطّات من تـاريخ طويل من كفـاح هذا الشّعب بما في ذلك الحطّ من أهميّة وقيمة التّضحيات التي قدّمها بين شهداء وجـرحى ومساجين عبر تبرئـة المتّهمين في أعمـال القتل والجرح إبّـان الانتفاضـة.
إنّ المطـروح على الثّوريّـين في مثل هذه اللّحظة التي لوّح فيها ضيّقـو الأفـق برايـة الاستسلام واختاروا "نضال البرلمانات" أن يثبتوا على المبادئ وأن يجعلوا من كفاح الشعب في محطّاته المختلفة ومن التضحيات التي قدّمهـا نبـراسا ينير أمـامهم طريق الثّــورة وأن يستفيدوا من الدّروس التي وضعتها على ذمّتهم الانتفـاضة بعد خمس سنوات من اندلاعــها وأن لا يستسلمـوا بل أن يحوّلـوا الهـزيمة إلى نصر من أجل تحقيق الشعار الذي أبدعته الجماهير "الشعب يريد إسقــاط النّظام" .
المجد للشّهـداء
المـوت للقتلـة
عــاش نضال الكـادحين
عاش كفـاح الشّعب من أجل التحرّر الوطني والاشتراكيّة