عام آخر يغيب تاركا خلفه أزمة شـاملة، فالنموّ الاقتصادي على مشارف الصّفر، ورصيد الدّيـون لا يزال يتراكم ليتجاوز الـخمسين مليار دينار وهو ما جعل نسبة التداين تتجاوز 55% من الناتج المحلّي الإجمالي، وعجز الميزان التّجاري يتجاوز 12 مليار دينار، بينما عجز الميزان الجاري استقرّ في حدود 7.6 مليار دينار أي ما نسبته 8.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2015. وقد شهدت القطاعات الاقتصاديّة تراجعا في نسبة نموّها، فقد تراجع دخل القطاع السياحي بنسبة 35.1% مقارنة بسنة 2014 وتراجع نموّ قطاع الخدمات بصفة عامّة، وتراجع حجم الإنتاج الصناعي خلال الإحدى عشرة شهرا الأولى من سنة 2015 بنسبة 1.8%. وقد دفع هذا الـوضع الاقتصادي أحد مسؤولي صندوق النقد الدّولي نفسه إلى الاعتراف خلال زيارته إلى تونس في 18 ديسمبر المنقضي بـ"ضعف النشاط الاقتصادي تحت تأثير الصدمات السلبية، ولا تزال البطالة ثابتة عند مستوياتها المرتفعة، ومواطن الخطر الخارجية مستمرة، ولم ينته بعد تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المهمة – ولا سيما إصلاحات القطاع المصرفي والمالية العامة". وتردّت مختلف الخدمات من صحّة ونقل وتعليم وانتشرت الأمراض والأوبئة والأوساخ.
وقد ألقت هذه الحصيلة الاقتصاديّـة والمـاليّة بظلالها على الأوضاع الاجتماعيّة المتدهورة فزادت في تردّيها، فارتفعت نسبة البطالة لتستقرّ في موفّى شهر سبتمبر 2015 في حدود 15.3% وليشهد مؤشّر الأسعار زيادة بـ0.2% فتستقرّ نسبة التضخّم في مستوى 4.1%. ولتسجّل نسبة الفقر ارتفاعا إلى حوالي 30%. وإذا كانت هذه الأرقـام الرّسميّة تدلّ على واقع مفجع، فإنّ المعطيات على أرض الـواقع تثير فزعا أكبـر مع تفاقم ظاهرة طرد العمّال ومع الضعف الكبير للأجور في بعض القطاعات وخصوصا مع انتشار أساليب العمل الهشّ. أمّا من يتحمّل تبعات هذه الأزمـة الاقتصاديّة فهم الكادحون الذين أصبحوا غير قادرين على مجاراة واقع الأسعـار لذلك تزداد حالات الإقدام على الانتحار والهجرة السريّة والجريمة والإدمان في صفوف الذين انسدّت أمـامهم آفاق توفير الحدّ الأدنى من العيش الكريم. ولذلك أيضا تصاعدت الاحتجاجات الشعبيّة في صفوف الشعب واحتدّت أحيانا لتبلغ درجـة الانتفاضة التي أشعلتها الفئات الأكثر كدحا.
أمّا على الصّعيد السياسي، فقد وثق النّظام ارتباطه خلال العام المنقضي بالإمبرياليّات الأمريكية والأوروبيّة عبر الاتفاقيات والمعاهدات فيما زاد عجزه داخليّا عن إيجاد حلول للأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وحتّى السياسيّة التي تشقّ أجنحته لكنّه لا يزال قادرا على مسك الأمور من خلال تعويله على أجهزته الأمنيّة والعسكريّة والقضائيّة وعلى خطر الإرهاب ليفرض حكمه وكذا على الإعلام المأجور وعلى القوى الانتهازية والإصلاحيّة التي اختارت منزلة بين المنزلتين، في مقابل بقاء صفوف الثوريين متفرّقة ومجهوداتهم مشتّتة وهو ما يعــوق تقدّم الكفــاح الوطني والطبقي .