top of page

النّظام السّعودي والإرهــاب

أعـــلن النظام الرّجعي السعودي في 15-12-2015 عن تشكيل "التحالف العسكري الإسلامي" تحت قيادته، فما هي أهدافه ودوافعه ؟

حسب البيان الصادر بالمناسبة تمثلت أهداف هذا التحالف في مكافحة الجماعات الإرهابيّة في الدول الإسلاميّة أيّا كان مذهبها عسكريّا ومحاربة الإرهاب فكريّا وإعلاميّا وهي نفس الـتوجهات التي عبّر عنها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان في بيان أصدره جاء فيه بالخصوص أنّ "التحالف هو لمكافحة الإرهاب وجرائمه البشعة المحرّمة شرعا والذي يهدّد ويعرّض مصالح الدول والمجتمعات واستقرارها للخطر".

إنّ ما يمكن ملاحظته منذ البداية أنّ هذه الأهداف المعلن عنها جاءت في شكل شعارات عامّة دون توضيح دقيق لمفهوم الإرهاب وتحديد للمجموعات الإرهابية التي يمكن مقاومتها والتصدي لها خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ النظام السعودي وبدعم من أمريكا مثّل دائما الحاضنة الرئيسيّة للمجموعات الوهابيّة التكفيرية التي قامت وتقوم حاليّا بأبشع الجرائم في حقّ الشعب العربي ومثّلت على مدى سنوات طويلة عنصر توتّر داخل الأقطار العربيّة وسعت لحرف نضالات الجماهير الشعبية في الوطن العربي عن مسارها الصحيح والزجّ بها في أتون النزاعات المذهبيّة والعرقيّة لأنّ هدف هذه المجموعات اليمينيّة هو تنفيذ المهام الموكولة لها من طرف الدوائر الاستعماريّة العالميّة خاصة أمريكا لمزيد تفتيت الوطن العربي وتقسيمه إلى دويلات وإمارات عبر "الفوضى الخلاقة" حتّى تتمكّن من مزيد السيطرة على الشعب العربي واستغلال ثرواته الطبيعية والاستئثار بجانب كبير منها، إلى جانب التصدّي لكلّ التنظيمات الثوريّة والقضاء عليها في المهد للحيلولة دون توسعها وتوحدها والتي نشأت في بعض الأقطار العربية خاصة تلك التي حملت على عاتقها مهام مقاومة الاستعمار والرجعية الحاكمة كطريق لتوحيد الوطن العربي وبناء الاشتراكية.

إضافة لذلك فإنّ هذا التحالف أقيم على أسس دينيّة وعقائديّة من خلال التسميّة التي حملـــــها "التحالف العسكري الإسلامي" واعتماده على مبادئ وأهداف منظمة التعاون الإسلامي .

إنّ إنشاء هذا التحالف على أسس عقائديّة يتناقض مع مبدئه المعلن عنه بخصوص محاربة الإرهاب فكريّا وإعلاميّا ويحيلنا بالتالي إلى حقيقة مفادها أنّ هذا التحالف موجّه بالأساس ضدّ بعض الأنظمة العربية التي لها خلافات مع النظام السعودي أخذا في ذلك بعين الاعتبار استثناء كل من سوريا والعراق وكذلك إيران إضافة لحزب الله اللبناني من الانضمام إليه.

إنّ النظام السعودي الذي يعلن عبر هذا التحالف الذي اتخذ بالرياض غرفة قيادة له عن محاربة الإرهاب عسكريا وفكريا وإعلاميّا هو غير مؤهّل للقيام بهذه المهام لأنّ أغلب الجماعات التكفيرية مثل داعش والقاعدة وجبهة النصرة وبوكو حرام وأنصار بيت المقدس وغيرها التي تمارس اليوم أبشع جرائم القتل التي عرفتها الإنسانيّة والإعدامات الجماعية وفي الساحات العامة لترهيب كل من يحاول عصيان أوامرها أو رفض قوانينها الموغلة في الرجعية، هي جماعات ترتكز على الفكر الوهابي الذي يدين به النظام السعودي من خلال تشريعاته وقوانينه التي يحكم بمقتضاها والتي تبيح قطع الرؤوس والجلد في الساحات العامة دون احترام لحقوق الإنسان أو لمقتضيات المحاكمة العادلة، وهي في جلّها قوانين وتشريعات تصادر دون وجه حقّ الحريات العامّة والخاصّة لأنّها ترتكز بالأساس على تطبيق "الشريعة الإسلاميّة" وهو المبدأ الذي تطبقه جلّ هذه المجموعات التكفيريّة الإرهابيّة التي تتلمذت على يد النظام السعودي وأجهزة مخابراته. فكيف إذن لنظام وهابي مرتبط بهذه المجموعات التكفيرية أن يطرح على نفسه مهمّة محاربة الإرهاب ؟

تحيلنا الإجابة عن هذا التساؤل إلى الكشف عن الأهداف الحقيقية التي دفعت بالنظام السعودي إلى إنشاء هذا التحالف وقيادته والمتمثلة فيما يلي:

- سعي النظام السعودي لتحسين صورته لدى حلفائه سواء الأمريكان أو الأوروبيين بعد الهجمات الإرهابيّة التي طالت فرنسا والتي نتج عنها تغيير هذه القوى الاستعمارية لموقفها من داعش رغم أنها ساهمت في دعمها بالمال والسلاح والتدريب والمعلومات المخابراتية لغرض الإطاحة بالنظام السوري.

لقد تعرض النظام السعودي إلى حملات عديدة من الإعلام الغربي الذي اتّهمه مباشرة بدعم الإرهاب والتطرّف الديني معتبرا أنّ الوهابيّة التي يتبنّاها هي المسؤولة عن نشر التطرّف في العالم انطلاقا من هجمات 11 سبتمبر 2000 التي تبناها تنظيم القاعدة الممول رئيسيّا من الشيوخ السعوديين بدعم لوجستي من المخابرات الأمريكيّة.

لقد حاول إثر تلك الهجمات الأمير عبد الله الذي أصبح ملكا للسعودية فيما بعد تنظيم مؤتمر لمكافحة الإرهاب في الرياض سنة 2005 ودعا لإقامة مركز له يكون مقره الرياض غير أنّه لم يوفّق في ذلك، فجدّد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز هذا المطلب بعد هجمات باريس الأخيرة وخلال قمّة العشرين في أنطاكيا التركيّة طرح مقترح إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلّة الأمم المتحدة وأعلن عن تبرّع المملكة بمبلغ 11 م.د. دعما لتمويل هذا المشروع غير أنّه لم يفلح في مسعاه.

- العمل على فك عزلته التي تفاقمت في المدّة الأخيرة جرّاء تخوّفه من حلّ الأزمة السوريّة دون مشاركته في ذلك وكذلك الشأن بالنسبة للأزمة في ليبيا واليمن مع عجزه عن تحسين صورة التشدد الوهّابي في الوقت الذي يحرز فيه التمدد الشيعي تقدما لافتا للأنظار خاصّة مع التقارب الحاصل بين الولايات المتحدة الأمريكيّة وإيران بعد أن تمّ رفع العقوبات الدوليّة عنها والحلف الذي بدأ يتشكل برعاية روسيا بين النظام السوري والعراقي والإيراني وحزب الله .

- تعرّض تحالف "عاصفة الحزم" في اليمن والذي يقوده النظام السعودي إلى العديد من الانتكاسات خصوصا بعد الضربة الصاروخيّة المركزة والدقيقة والتي تعرضت لها قيادة هذا التحالف في باب المندب في اليمن والتي أسفرت عن تدمير العديد من الطائرات الحربية والآليات العسكريّة وإعطاب منظومتي باتريوت والقضاء على حوالي 152 من الكوادر العسكريّة من سعوديين وإماراتيين ومغاربة ومرتزقة بلاك ووتر.

لقد أحسّ النظام السعودي بتورطه في الحرب في اليمن بعد أن ارتفعت خسـائره خاصة البشريّة وبدأ يشعر ببداية تفكك الحلف وبكونه لن يعمر طويلا خاصة أنه لم يتم إشراكه في المساعي الرامية لحلّ الأزمة اليمنيّة ممّا جعله يسارع لإنشاء حلف بديل وواسع يحقق من خلاله طموحاته في الزعامة التي يبحث عنها.

- سعيه المحموم لقيادة " الشرق الأوسط " حتى يتمكن من إقناع حلفائه من القوى الاستعماريّة لتكليفه بمهمّة شرطيّ المنطقة في ظلّ المنافسة الإيرانيّة الشرسة .

يتّضح إذن أنّ "التحالف العسكري الإسلامي" لم يتمّ إنشاؤه لمحاربة "الإرهاب" بل لخدمة مصالح خاصة للنظام السعودي الذي فشل في دفع تهم مساندته للإرهاب وتمويله عنه خاصة أنّ الجرائم المرتكبة من قبل المجموعات التكفيريّة السنيّة طالت البلدان الأوروبية وأمريكا فازدادت بذلك عزلته ، كما فشل أيضا في الحفاظ على تماسك تحالف "عاصفة الحزم" الذي يخوض حربا طائفية في اليمن والذي ظهرت عليه بوادر التفكك في الوقت الذي يزداد فيه الحلف الشيعي تماسكا ويزداد فيه النفوذ الإيراني داخل الوطن العربي تمدّدا.

إنّ ما يقودنا إلى هذا الاستنتاج هو العلاقة التاريخية والوطيدة بين النظام السعودي والمجموعات التكفيرية الإرهابية، هذا النظام الذي استغلّ الأموال الطائلة المتأتّية من النفط وعائدات الحجّ ووجود أغلب المعالم الدينية الإسلامية بالمملكة السعوديّة لبناء الجوامع والمدارس الدينيّة في باكستان وأفغانستان وغيرها، كما أسّس المئات من الجمعيّات الدينيّة والخيريّة المتطرّفة ذات المرجعيّة الوهابيّة في مختلف أنحاء العالم لنشر التطرف والتكفير والعنف والكراهيّة.

لقد أدى انتشار الفكر الوهابي التكفيري في العديد من البلدان من خلال رجال الدين المأجورين إلى اندلاع الصراعات الدينيّة والحروب العرقيّة خاصّة بين السنة والشيعة، كما مثل النظام السعودي تاريخيا أداة بيد الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ مشاريعها الآنيّة منها والمستقبليّة بدءً بتكوين القاعدة وتمويلها وتدريبها بترتيب من المخابرات الأمريكية لمحاربة السوفيات في أفغانستان في ثمانينات القرن العشرين في إطار الصراع الدائر في تلك الفترة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي حول مناطق النفوذ في العالم. ثمّ تواصل هذا الدعم للمجموعات الإرهابية إذ كانت للمخابرات السعوديّة اليد الطولى في صناعتها وتسليحها بدعم أمريكيّ لتحقيق أهداف ومصالح مشتركة سواء في العراق أو سورية أو اليمن، إذ كشفت العديد من التقارير عن فصول جديدة من التعاون بين النظام السعودي خلال عدوانه على اليمن عكس الصورة التي يروج لها إعلامه. أمّا علاقته بداعش فلم تعد خافية على العيان فهي معروفة لدى أغلب المتابعين للوضع في سوريّة والعراق وفي هذا الإطار نشر موقع "ديلي بوست" الأمريكي تقريرا تناول علاقة دول الخليج بتمويل الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وموقف الإدارة الأمريكية المتغيّر تجاه هذه المسألة وعلاقة ذلك بالأزمة السوريّة وتطوّرات الوضع الحالي في العراق.

لقد أكّد هذا التقرير على أنّ داعش تمّ تمويلها لسنوات من المانحين الأثرياء في الكويت وقطر والسعوديّة في ظلّ موافقة ضمنيّة من الأنظمة الرسميّة لهذه البلدان، هذه الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكيّة والتى يتّضح أنّ لها أجندة مزدوجة في محاربة الإرهاب. مضيفـا بأنّ حلفاء أمريكا في منطقة الخليج ساهموا في نمو المجموعة المتطرّفة عن طريق تمويلها بهدف تهديد إيران والإطاحة بالنظام السوري وإشعال فتيل حرب طائفيّة بين السنة والشيعة.

إنّ دعم النظام السعودي المتواصل للمجموعات التكفيريّة وارتباطاته الفكريّة بها تبيّن لنا بكلّ جلاء أنّ الحلف الذي أنشأه أخيرا لن يقاوم الإرهاب ولن يتصدّى للفكر المتطرف مادام النظام الذي يقود هذا التحالف هو عنوان التطرف والغلوّ الديني الذي يقود حتما إلى الإرهاب .

إنّ الإرهاب التكفيري لن تجتثّه سوى الجماهير الشعبية في الوطن العربي متى نظمت صفوفها وصممت على مقاومة أعدائها من تكفيريين وأنظمة عميلة فضلا عن سادتهم الامبرياليين .

-----------------------

طريـق الثّــورة، جـانفي 2016


 
 
 

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

bottom of page