
أعلنت كتلة حركة نداء تونس بمجلس النوّاب، يوم الأربعاء 06 أفريل 2016، عن مبادرة تشريعية ترمي إلى تحوير الدستور لإعطاء رئيس الدولة صلاحيات جديدة وعندما واجهت ردود فعل معارضة سياسية وقانونية خاصة أن ذلك التحوير غير ممكن قبل تشكيل المحكمة الدستورية و المجلس الأعلى للقضاء قالت أنها لا تودّ تنقيح الدستور بل بعض القوانين فقط .
وفي واقع الأمر فإنّ من يقف وراء تلك المبادرة هو الباجي قائد السبسي نفسه الذي يريد تقوية سلطته تحت غطاء استعادة هيبة الدولة و من هنا سعيه إلى ترويج فكرة تقول آنّـه هو الذي يمثل تلك الهيبة وأنّـه رئيس منتخب فالدولة هو وهو الدولة في استعادة لما كان عليه الحال زمن بورقيبة حيث تختزل الدّولـة في فرد يتمتع بشخصية كاريزماتية تقوم وسائل الإعلام بإبرازه في ثوب أب الشعب الحنون وحامي الوطن والقادر على حلّ كل مشكلة بتدخل بسيط من طرفه حتى لو كانت مشكلة عويصة بل انه قادر حتى على حل قضايا شعوب أخرى بحكمته وسداد رأيه .
وتلك السلطة لا يمكن تقويتها دون قمع الحركة الاحتجاجية خاصّة الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات ولكنه قمع يسعى السبسي إلى إبراز ضرورته فهو يواجه مخربين وقطاع طرق أضرّوا بالدورة الاقتصادية .
وهنا الإحراج الكبير، فهو يحكم تونس بعد انتفاضة شعبية عارمة كان من ضمن أسبابها تفشّـي جرائم الدولة البوليسية كما أنّ الدّستـور الذي تم إقراره سنة 2014 لا يسمح له باستعمال الصلاحيات التي يريدها الآن لذلك وجد الحـلّ في تحويره حتى يقمع من خلاله الشعب فمن يخرج عن القانون كما قال في اللقاء الصحفي الأخير الذي بثّـه التلفزيون الرسمي يجب أن ينال جزاءه وان الاعتصامات سيتم فضّـها بالقوة وهو ما حصل لاحقا في بتروفاك قرقنة واعتصام الدهماني وقمع معتصمي القصرين الخ ...ولكن دون نجاح كبير مع تنامي النضال الطبقي .
إنّ ما يحاول السبسي القيام به يرقى إلى مستوى انقلاب دستوري وهو من يتحمّل المسؤولية عنه وما قامت به بعد ذلك كتلة نداء تونس البرلمانية بدعوتها إلى التحوير المذكور إنما هو تطبيق عملي لرغبته هو، ففي اللقاء الصحفي المذكور وعندما سئل عن تحوير الدستور قال إنّــه يحبذ ذلك وان الشعب يريد نظاما رئاسيا وعندما شعر بانّ في ذلك عودة لما كان عليه الحال زمن بن علي قال انّ نظام بن علي كان رئاسويا لا رئاسيّا .
ويبدو من المشكوك فيه أنّ السبسي ومستشاريه قد قرؤوا جيّـدا تاريخ تونس الانتفاضي واستنتجوا منه الدروس، فقد سعى بورقيبة وبن علي من بعده إلى الحكم المطلق ولم تكن النتيجة في مستوى انتظاراتهما كما أنّ الإخوان المسلمين ممثلين في حركة النهضة الذين يزينون لحليفهم السبسي ذلك التحوير أمــلآ في أن يمهّـد لهم السبيل لاحقا للاستفراد بالحكم في حال نجاح مرشحهم في الانتخابات الرئاسية القادمة يخطئـون الخطأ ذاته، أمّــا قوى الثورة فعليها الانتباه جيّدا إلى الفخاخ الدستورية التي تنصب للشعب لعرقلة كفاحه.
----------------------------------------------------
طريــق الثّـــورة، فيفري - مــارس 2016