top of page

تونس: الأزمـة الماليّة تحتدّ


لا تزال الأزمة المـاليّة التي تعصف بالدّولـة التونسيّة تحتدّ يوما بعد يوم، وإن كانت لا تمثّل إلاّ جزءا من الأزمة الشاملة التي ترزح تحت وطأتها البلاد ويتحمّل النّظام القـائم المسؤوليّة عن تفاقمها بسبب سياساته اللاوطنية واللاشعبيّة واللاديمقراطية بينما يتحمّل الكـادحون تبعاتها وآثـارها ويدفعون من عرقهم وفقـرهم ثمن ذلك.

و تحاول الدّولـة باستنفـار مختلف أجهزتها إيجاد حلول للأزمـة الماليّة المتفـاقمة باللّجـوء إلى اتّخاذ إجراءات تشرّع لها من جهـة السّطو على بعض المكاسب الاجتماعيّة وإلى التّعويل على ما تدرّه عليها المؤسسات الماليّة العالميّة من قروض من جهة أخرى وذلك لتغطية العجز الحاصل في ميزانيتها مؤقّتـا وهو الحلّ الأسهل بالنسبة إليها.

و إذا كان الحلّ الأوّل يكلّف النّظام القائم بعض التضحيات، إذ أنّـه يثير غضب الطّبقات الاجتماعيّة المتضرّرة من التّرفيع في الضرائب أو في الأسعار أو في سنّ التقاعد...إلخ من الإجراءات وهو ما يجعل الدّولـة تقرأ حسابا لحالة الغضب ممّا يجعلها تتأهّب لمواجهة أيّ تحرّكات اجتماعيّة قد تندلع في أيّ وقت وقد تكون أعنف ممّا تعوّدت عليه سابقا إذا ما ارتقت إلى مستوى أعلى. أمّـا الحلّ الثّـاني، فيبدو أسهل وهو لا يكلّف الدّولـة تضحيات تُذكـر، فيكفيها أن تمرّر مشاريع القـوانين "الإصلاحيّة" التي يمليها عليها صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي أو الدّول الامبريالية ليقوم النوّاب بتحويلها إلى قوانين وتحصل بموجبها على ما يغطّي جزءا من عجزها النّقدي ويراكم الأزمـة أكثر أو يؤجّل ساعة الانفجـار إلى موعد لاحـق.

صندوق النقد يوافق على قرضه لفائدة الدّولة التونسيّة:

وافق صندوق النقد الدولي يوم الجمعة 20 ماي 2016 على برنامج إقراض الدّولـة التونسيّة بمبلغ قيمته 2.88 مليار دولار على مدى أربع سنـوات.

وأعلن الصّندوق أنّ هذا القرض يتنزّل في إطار دعم الإصلاحات الاقتصادية والمالية في تونس.

وأضاف الصندوق أن قرابة 319.5 مليون دولار من هـذا القـرض متاحة للصرف فورا.

للتّذكير، فإنّ الموافقة النهائيّة على منح هذا القرض للدّولة التونسيّة جاء بعد عديد الإجراءات التي أقدمت عليها الدّولة وأهمّها ما تمّ في المدّة الأخيرة من ضبط النظام الأساسي للبنك المركزي يوم 11 أفريل ثمّ المصادقة في مجلس النواب على القانون المتعلّق بالبنوك وبالمؤسسات الماليّة، وهي إجـراءات تندرج ضمن مجموعة من الإملاءات الاقتصادية والماليّة اشترطها صندوق النقد الدولي على مسؤولي الدولة التونسية لمواصلة دعمه لها.

و بذلك، فـإنّ إجابة صندوق النّقد الدّولي بالمـوافقة على تقديم هذا القـرض يأتي في إطـار استجـابة الدّولـة التونسيّة لشروط الصّندوق في الميدان المالي وخصوصا في قطـاع البنوك.

مجلس نهّاب الشعب:

مجلس "نوّاب الشّعب" الذي انتخبته قلّة ممّن لهم الحقّ في الانتخاب لا يختلف كثيرا عن السلطة التنفيذيّة في موقفه من الاقتـراض وسياسـة التّداين. ففي علاقـة بهذا القـرض، دافع عضو من هذا المجلس وعضو لجنة الماليّة والتخطيط والتنمية داخله، وهو سليم بسباس، عن سياسة الدّولة القائمـة على التّداين، وتحمّل مسؤوليّة الدّفـاع عن هذه السّياسة وعن الحكومة معتبرا إيّاها مجبرة على اللّجوء إلى القروض "وليس أمامها أيّ خيار آخر".

وذهب هذا النّائب عن كتلة حركة النهضة إلى تمجيد سياسة الاقتراض باعتبارها "أفضل الحلول المتاحة حاليا" وهي التي ستمكّن من تحقيق التنمية ومن التقليص من معدّلات البطالة حسب اعتقاده. فإذا كان هذا الحل هو الحل الوحيد للأزمة التي تمرّ بها البلاد وخصوصا أزمة البطالة، فما على المعطّلين عن العمل إلاّ الاستعداد للانخراط في سوق الشغل التي ستُفتح مع صرف أولى أقساط هذا القرض وما على المطالبين بالتنمية إلاّ الكفّ عن الصّياح والصّراخ "أين التنمية ؟ أين التنمية ؟"

هذه التّصريحات ليست بغريبة بما أنّها تصدر عن مؤسسة كانت أغلب جلساتها مخصّصة للمصادقة على اتّفاقيات قروض مبرمة بين الدّولة التونسيّة من جهـة وعديد الأطراف المقرضة من جهـة أخرى سواءً كانت مؤسسات ماليّة أو دول. فيكفي إلقـاء نظرة على أخبار المجلس منذ تنصيبه في شهر فيفري 2015 أو متابعة نشاطه ونشاط لجنته الماليّة وجدول أعمالها للتأكّد من غلبة العناوين المتعلّقة بالاتفاقيات التي تخصّ القروض المبرمة وتاريخها ومجـال صرفها.

الولايات المتّحدة تهدّد:

لم يدم انتشاء حكّام تونس بموافقة الصندوق على القرض طويلا، فقد هدّدت أمريكا بعدم موافقتها على منح القرض لتونس، حسب ما تسرّب من أنباء حول هذه المسألـة. فالدّولة التونسيّة وجدت نفسها في مفترق طرق وأصيبت بالإحـراج أمام الصندوق وأمام "وكيلها الأوّل" الذي قد يحرمها من التمتّع بما تنتظره من أمـوال في صورة رفض الولايات المتحدة الأمريكيّة الإمضاء على القرض وهذا قد تكون له انعكاسات خطيرة جدّا إذ يمكن أن يعصف بالحكومة القائمة أو بالنظام برمّته إذا صحّت التسريبات القائلة بأنّ القسط الأوّل من القرض كان موجّها لتغطية رواتب شهر جوان... فماذا سيحصل لو لم تحصل الدّولـة على هذا القسط ؟

و يتنزّل تهديد الإدارة الأمريكيّة بعدم الموافقة في إطار العلاقـة التي تربط بين الدّولتين داخل النّظام الاستعماري الجديد، ذلك أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة هي الضّامن للدّولة التونسيّة لدى المؤسسات الماليّة العالميّة. أمّا سبب الرّفض فيعود إلى الطّعن في دستوريّة قانون إصلاح البنوك والمؤسسات الماليّة الذي صادق عليه مجلس النواب سابقا استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي.

لكن هذا التعارض على المستوى التشريعي الذي وقعت فيه الدّولة التونسيّة لن يطول، وستنفرج الأمور بالنسبة إليها لتجاوز الإشكال، لذلك قرّرت إدارة مجلس النواب عرض مشروع القانون من جديد على أنظار النواب في جلسة عامة يوم 7 جوان، وبذلك ستتمّ المصادقـة كالعادة على المشروع من جديد وسترضى "المـاما أمريكا" عن مستعمرتها وتفرج لها عن مستحقّاتها الماليّـة.

خزيـــنة فـــارغة:

سجّلت مالية الدولة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2016 تفـاوتا كبيرا بين مستوى المقابيض من جهة ومستوى المصاريف والنّفقات من الجهة المقابلة.

ويتّضح هذا التّفاوت الكبير من خلال الارقـام التي أوردها تقرير "النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة حتى نهاية شهر مارس 2016" الصادر عن وزارة المالية. فحسب هذا التّقرير، تراجعت المقابيض الجمليّة للدولة بنسبة ـ 4.3٪، ومقـابل ذلك، سجّلت النّفقات الجمليّة للدّولة ارتفاعا مهـولا خلال نفس الفترة وقد قُدّرت نسبته بـ + 30.9٪.

و أدّى هذا التفاوت بين التراجع في قيمة المداخيل والزيادة في قيمة المصاريف إلى زيادة عجز الميزانية الذي بلغ رقما قياسيا يقدر بأكثر من ملياري دينار.

و تعزو وزارة المـاليّة، في تقريرها هذا، أسبـاب التراجع في قيمة المداخيل خلال هذه الفترة إلى مجموعة من الأسباب أهمّها الانخفاض المسجّل في العائدات الجبائيّة والذي قدّرت نسبته بـ ـ 2٪ والتراجع الحاصل في المداخيل المتأتية من أملاك الدولة والمقدّرة نسبته بـ ـ 38.6٪.

أمّـا على مستوى النّفقـات والمصاريف، فإنّ التّقرير يوزّع أسباب زيادتـها إلى ارتفاع النفقات المستوجبة في صلة بسير دواليب الدولة الإدارية والذي بلغت نسبته + 26.1٪ وذلك نتيجـة عديد العوامل ومنها التطور الحاصل في النفقات بعنوان الأجور والزيادة في المنح والتحويلات المخصصة لدعم أسعار المنتوجات الأساسية والزيادة في النفقات بعنوان فوائض الدين العام.

تفاقـــم الدّيـون:

تفاقم حجم الدين العام للدّولة التّونسيّة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2016 بزيادة تقدّر بـ 6.3 مليار دينار مقارنـة بما بلغه في نهاية الثلاثي الأول من سنة 2015، وبذلك فقد ارتفع إجمالي هذا الدّيـن إلى 47.4 مليار دينار، وهو ما يمثّـل نسبة 54.4٪ من الناتج الداخلي الخام.

و هذا يعني أنّ أكثر من نصف الناتج الدّاخلي الخام يُـوجّـه نحو سداد ما يتخلّد بذمة الدولة من ديون. أي أنّ ما ينتجه الكادحون في هذا البلد في مختلف مواقع الإنتـاج وسط ظروف عمل مزريـة في أغلبها وفي ظلّ قوانين عمل لا تنصف جماهير الشّغيلة يتمّ تخصيصه لتسديد مستحقّات الجهات المقرضـة للدّولـة، في حين أنّ الجماهير الكادحة لا تتحصّل على أيّ شيء من تلك الثّـروة التي تنتجها، بل إنّ هذه الجماهير مهدّدة في أجورها وفي موارد رزقها وفي مقدرتها الشّرائيّة بسبب الإجراءات التي يتمّ اتّخاذها في حقّها نتيجة الإملاءات التي تفرضها الصّناديق العالميّة النهّابة.

---------------------------------------------------------

طريــق الثّـــورة

 
 
 

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

bottom of page