top of page

التكفيريّــون والمــرأة

في الوقت الذي تحيي فيه المرأة العاملة في جميع أنحاء العالم عيدها الموافق للثامن من شهر مارس من كل سنة تخليدا لنضالات عاملات النسيج في الولايات المتحدة الأمريكية اللواتي رسمن بمظاهراتهن واحتجاجاتهن التي اندلعت في 08 مارس 1856 وجابت شوارع نيويورك احتجاجا منهنّ على ظروف عملهنّ القاسية ورفضا منهنّ للاستغلال الذي يتعرضن له يوميا سواء في العمل أو البيت مطالبات بتخفيض ساعات العمل إلى 08 عوضا عن 12 ساعة يوميّا مع المساواة في الأجر أفقا جديدا للمرأة العاملة بصفة خاصة .


وفي الوقت الذي تحتفل فيه الكادحات في العالم بما حققته الحركة النسويّة عبر نضالاتها المستمرّة من مكاسب جعلت من المرأة عنصرا أساسيا في المجتمع تتمتع مثلها مثل الرجل بالعديد من الحقوق مثل الحق في التعليم والعمل والانتخاب والترشح للوظائف العليا ، إلى جانب الحق في الطلاق وفي اختيار شريك الحياة وغيرها من الحقوق.

وفي الوقت الذي تسعى فيه المرأة المناضلة من خلال إحيائها لهذا اليوم، لتعزيز مكاسبها والعمل على افتكاك المزيد من حقوقها خاصة السياسية منها والمساهمة في تحرير أرضها من الهيمنة الاستعمارية ، يشنّ اليمين الديني المتطرّف هجوما شرسا على المرأة بصفة عامّة لتجريدها من كلّ ما اكتسبته عبر نضالاتها المتواصلة من حقوق سعيا منه لإرجاعها إلى البيت وسجنها داخل جدران مظلمة وانتزاع إنسانيتها والسطو على إرادتها حتى تصبح طوع بنانه.

إنّ أهميّة هذا الاحتفال بهذا اليوم العالمي للمرأة تكمن في دفع المدّ التضامني بين نساء العالم ليقفن إلى جانب بعضهنّ البعض ويساهمن إلى جانب الرجل في التخفيف من معاناة آلاف النساء اللواتي يتعرضن اليوم إلى أبشع صنوف الاستغلال خاصة في المناطق التي تسيطر عليها ما يسمّى بـ"الدولة الإسلاميّة في الشام والعراق" والتي تعرف بداعش، فكيف تنظر هذه المنظمة اليمينيّة المتطرفة والإرهابيّة للمرأة وكيف يتم التعامل معها ؟

تعتبر الجماعات التكفيرية بصفة عامة المرأة عورة يجب إخفاؤها وحجبها عن الأنظار عبر ذلك اللباس الأسود الذي يغطي كامل جسدها مع إلزامها بالبقاء في البيت وعدم مغادرته وإن اضطرت للمغادرة فيجب عليها أن تكون في حضرة "محرم" وهو بمثابة الحارس وبالتالي تتم مصادرة حقها في حريّة التنقل أو السفر. ولمزيد ترسيخ قوانينها الزجريّة أصدرت داعش ما سمّي بـ"دليل المرأة المسلمة في ظلّ تنظيم الدولة الإسلاميّة" جاء فيه بالأساس ما يلي :

- إنّه لأمر شرعي أن تزوّج البنت في سنّ التاسعة .

- معظم الفتيات الطاهرات يتزوجن عند بلوغ سن 16- 17 . ويجب على الفتاة بدءا من هذه السنّ أن تبقى مختفية عن الأنظار وأن تساند الخلافة من خلف الأبواب وبعد الزواج على المرأة أن تبقى محجوبة ومحجبة وأن تحافظ على المجتمع من وراء حجابها.

- يجب على الفتيات أن لا يتخلفن عن التعليم ، بل يجب أن يتعلمن خاصة كل ما يتصل بجميع جوانب الدين الإسلامي لكن فيما بين السابعة والخامسة عشر.

ويرتكز هذا التعليم على اللغة العربية فقط باعتبارها لغة القرآن مع تعلّـم قواعد الطهي الأساسية والخياطة وبعض المهارات الأخرى قصد إعدادها كما يجب للقيام بدورها المحوري داخل الأسرة. و لا يمكن للمرأة أن تنتقل هنا وهناك لتحصيل شهادات علمية محاولة منها أن تكون أكثر ذكاء من الرجل لضمان تفوّق الرجل عليها في كل الميادين.

- دور النّـساء الرئيسي هو أن يبقين في البيوت ولا يقاتلن، ولكن يساندن المقاتلين من الرجال في البيوت ومن ذلك حمل الأولاد وتربيتهنّ.

- تمنع منعا باتا عمليات التجميل وكذلك الثقوب في الجسم ووضع بعض الأشياء المتدليّة في الأذنين، كما يمنع حلق الشعر، أما متاجر الأزياء وصالونات التجميل فهي من عمل إبليس.

كما تمّ أيضا إجبار آلاف النساء على الختان ممّا عرضنهنّ إلى تشوهات في أعضائهنّ التناسليّة.

و لتطبيق هذه الأوامر، يقوم قسم خاص داخل هذا التنظيم باستقطاب النساء وتدريبهنّ وتأهيلهنّ حتّى يصبحن زوجات أو يكنّ مؤهّلات لمعاشرة المقاتلين ويكنّ في الوقت نفسه قادرات على كتم الأسرار حتّى لا يكنّ فريسة أو مدخلا لتجنيد البعض منهنّ من طرف قوى الأمن والمخابرات. إلى جانب اعتبارها عورة، ينظر التكفيريون للمرأة نظرة مهينة إذ ليس لها الحق في أن تكون في المواقع التنظيمية ولا يمكن لها أن تكون صاحبة قرار داخل هياكلهم التنظيميّة باعتبارها مجرد أداة للمتعة الجنسية ويقتصر دورها في إنجاز أعمال مساعدة لقيادات التنظيم الذي يعتمد في ذلك على بعض الفتاوى الداخليّة الشاذّة في أغلبها لأنهم يفتون لبعضهم البعض بدعوى أنّ الفتوى تتحدّد زمانا ومكانا وشخصا وأنّهم يعيشون لحظات استثنائيّة تبيح لهم فعل كلّ شيء. فالمرأة لديهم يتم استخدامها في تفريغ الطاقة الجنسية للمقاتلين محاولين صبغ هذه العلاقة بألوان "شرعيّة" من خلال هذه الفتاوى. وبذلك تصبح المرأة لدى هذه الجماعات أقلّ المخلوقات وأحقرها ويتمّ توظيفها بما يخدم أفكارهم وأهدافهم، فهي لا تعدو أن تكون سوى جسد يطأه الرجال أو "المجاهدين" متى شاءوا.

إنّ الهدف من تجريد المرأة من حقوقها هو استعبادها جنسيا، فالجنس يحتلّ حيّزا كبيرا من اهتمامات الجماعات التكفيريّة بسبب الحالة النفسيّة التي يعيشونها والحصار الذي يحيط بهم وانشغالهم يوميا بالقتل والتدمير وارتكاب أبشع الجرائم ، وهو ما يجعل من الجنس وسيلتهم الوحيدة للترفيه. وعلى هذا الأساس، تقوم هذه الجماعات بتسهيل العلاقات الجنسيّة في مواقع الحرب حتى يستطيع المقاتلون مواصلة مهامهم من خلال عقود زواج يحررها الأمير بنفسه مع إقناع النساء بأنّهنّ يقمن بمهمة حور العين في الجنة الموعودة وأنّهنّ سيتمّ اختيارهنّ مستقبلا لهذه المهمة المقدّسة المتمثلة في استقبال زوار الجنة وتلبية رغباتهم وهي فكرة جهنّميّة ابتكرها التكفيريون لإقناع الفتيات على إقامة علاقات جنسيّة مع رجال أغراب بدعوى نصرة الإسلام وإقامة الجهاد "جهاد النكاح" في سبيل الله وبالتالي إجبار الفتيات والنساء إمّا على الزنا المقنّع أو البغاء العلني.

ولهذا الغرض يتولّى مركز الخدمات الملحق بكل تنظيم تكفيري توفير النساء والفتيات لعناصره خاصة من السبايا وفي صورة عدم توفر العدد الكافي يتمّ اللجوء إلى ما يسمّى لديهم بالوطء الجماعي بمعنى تداول عدّة رجال على ممارسة الجنس مع امرأة واحدة وتتحايل هذه التنظيمات على المرأة التي تجبر على المرور على أكثر من مقاتل بالعقد عليها شفاهيّا لمدّة زمنية محددة بساعة أو ساعتين والتطليق بمجرّد انتهاء تلك العلاقة الجنسيّة لتتفرغ لعلاقة أخرى وهكذا دواليك، وهنا يتغاضى التكفيريون عن فكرة "براءة الرحم" والعدّة من خلال فتاوى "شرعيّة" تبيح لهم ذلك. وفي هذا الإطار أيضا يتمّ إقناع الفتيات أنّ مهمتهنّ (تلبية الرغبات الجنسيّة للمقاتلين) لا تقلّ أهميّة بحال من الأحوال عن مهمّة المقاتل وأنّها مهمّة مقدّسة فربما تكون العلاقة الجنسيّة آخر ما يفعله "المجاهد" قبل "استشهاده" وهذه العلاقة تروّح عن نفسه وتدفعه إلى المزيد من البذل والعطاء في صفوف المقاتلين وبالتالي فهي وسيلة لنتيجة أهمّ وهي ثبات "المجاهد" على جهاده وتقوية عزيمته.

تستعمل المرأة إذن كطعم لاستقطاب العناصر الشاذة والتي تعاني من الكبت الجنسي أو التي فشلت في إقامة علاقات عاطفية في حياتها اليومية أو المتعطشة لممارسة الجنس، فصفوف التكفيريين ضمّت العديد من نزلاء السجون في الأقطار الراعية للإرهاب خاصة دول الخليج العربي وكذلك أصحاب السوابق وذوي السجلات الإجراميّة وبالأخص المحكوم عليهم بالإعدام، فالعربية السعوديّة مثلا تخلصت من المساجين الخطرين والمحكوم عليهم بالإعدام عبر إرسالهم إلى سوريا "للجهاد"، كما يعتبر الجنس الذي يتوفر لهم في فترات معيّنة بمثابة الدافع الرئيسي لإقدامهم على الموت بغية ملاقاة حور العين اللواتي سيضمن لهم استمرارية التمتع به تصديقا منهم لبعض الأكاذيب التي يبثها بعض التكفيريين من "أنّ كل رجل له زوجة سيجدها في الجنة في انتظاره صحبة 70 حورية وكل حورية مصحوبة بـ 70 جارية وكلهم ملك يمينه وأن مدّة العلاقة الجنسية الواحدة تدوم 70 سنة". فالجنس إذن هو الغاية المنشودة لهؤلاء التكفيريين وأحد الدافع لانضمامهم لهذه المجموعات الإرهابية.

لقد استغلت داعش مثلا الجنس لاجتذاب المقاتلين الذين ينحدرون في الغالب من بيئة اجتماعية مكبوتة جنسيا ومهمشة اقتصاديا فأعدّت لهم عدّة بيوت واستراحات في سوريّة والعراق وضعت فيها النساء اللواتي لا يتمّ بيعهنّ ليتعرضن فيها للاغتصاب المتكرر والجماعي من طرف المقاتلين العائدين من ميدان المعركة.

لقد مثل الإغواء بتوفير الجنس وإتاحته للجميع ذكورا وإناثا الإستراتيجية الناجحة لتجنيد الشباب الذي يعيش ظروفا اقتصادية صعبة لا تمكّنه من بناء أسرة توفر له الاستقرار الجنسي والنفسي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف لمجموعات تكفيرية تعامل المرأة المناصرة لها بمثل هذه المعاملة أن تتصرف مع النساء المعاديات لأفكارها وتوجهاتها ؟

إن الجواب عن هذا السؤال يجرنا إلى البحث في وضعية ما يعرف لدى هؤلاء بالسبايا أو بأسرى الحرب خاصة الإيزيديات منهن .

لقد اعتبرت داعش أنّ فقه الجهاد يبيح العنف الجنسي في أوقات الحرب حيث اعتبرت النساء جزءا من غنائم الحرب وأصبح اغتصابهن واستعبادهنّ وسيلة معتمدة لإذلال العدو وهزيمته نفسيا.

وقد سعت هذه المنظمة الإرهابية التكفيريّة لإحياء هذه الممارسة التي تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان بدعوى أنّ استعبادها الواسع "للمشركين" هو إحياء لأحكام الشريعة الإسلاميّة بعد أن تمّ التخلي عن تطبيقها من طرف المسلمين لمدّة طويلة، زاعمة بأنّ التوقّف عن الاستعباد هو أحد أسباب انتشار الفاحشة والفتن بين شباب المسلمين. وضمن هذا السياق اعتبرت فتاوى داعش أنّ الطائفة الإيزيدية بصفتها طائفة "تعبد الشيطان" ومشركة يطبّق عليها ما يطبّق على المشركين، ففي الوقت الذي يتمتّع فيه الأسرى ذوي الديانة المسيحيّة واليهوديّة بفرصة دفع الجزية أو الدخول في الإسلام، لا تمنح هذه الفرصة للإيزيديات ويتمّ معاملتهن كالرقيق فور وقوعهنّ في الأسر أو اختطافهنّ وتقسم النساء والأطفال والبنات وفقا للشريعة الإسلاميّة بين المقاتلين الذين شاركوا في عمليات الخطف أو السبي على أن يتمّ إرسال الخمس (1/5) منهنّ لسلطات الدولة الإسلاميّة. وإمعانا منها في هذا التمشي، نشرت داعش على موقعها على الأنترنات دليلا يضمّ 32 سؤالا وجوابا حول كيفيّة معاملة السبايا أطلق عليه "دليل نكاح السبايا" سمح من خلاله باغتصاب الأسيرات مع إمكانيّة مضاجعة البكر منهن مباشرة بعد تملكها وإن لم تكن بكرا فينبغي الانتظار للتأكّد من كونها غير حامل وحتّى وإن كانت حاملا يتمّ إجبارها على الإجهاض بتدخل جراحي من أطباء منتمين لها، كما يبيح هذا الدليل للرجال ممارسة الجنس مع السبايا اللواتي لم يبلغن بعد (الفتيات الصغيرات) إذا كنّ صالحات للجماع وفي حال لم يكنّ صالحات يتمّ الاستمتاع بهنّ بطرق أخرى.

وتكريسا للعبوديّة، ضبطت داعش أسعار السبايا وفق أعمارهن في خطوة لا يمكن وصفها إلاّ بأنّها أبشع وصمة عار على جبين البشرية في القرن الواحد والعشرين. وجاءت عملية الضبط في مرسوم أصدره بتاريخ 21 ذي الحجة 1435 هجري تضمن ما يلي :"وردنا أنّ سوق بيع النساء والغنائم قد شهد انخفاضا وهو ما يؤثّر على إيرادات الدولة الإسلاميّة وتمويل عمولات المهاجرين فيها، ولذلك ارتأت هيئة بيت المال وضع الضوابط والأسعار بخصوص بيع النساء والغنائم ويلزم جميع المزاولين لهذا العمل بالالتزام بها وبخلافه سيتمّ إعدام كل مخالف" . وقد حدّد هذا المرسوم الأسعار كالآتي :

- الأطفال ما بين 1 و9 سنوات : 200 ألف دينار عراقي .

- المراهقات ما بين 10 و19 سنة : 150 ألف دينار عراقي .

- الفتيات والنساء مابين 20 و29 سنة : 100 ألف دينار عراقي .

- النساء ما بين 30 و 39 سنة : 75 ألف دينار عراقي .

- النساء ما بين 40 و50 سنة : 50 أل دينار عراقي .

ولا يجوز لأيّ شخص شراء أكثر من 03 باستثناء الأجانب أي الأتراك والسوريين والخليجيين. لقد أكدت منظمة الأمم المتحدة صحة قائمة أسعار بيع الإماء لدى داعش فمثلا سعر الأطفال ما بين 01 و09 سنوات يصل 165 دولارا بينما الفتيات المراهقات أي أقل من 20 سنة تباع الواحدة ب124 دولارا، في حين يصل سعر المرأة التي يفوق سنها الأربعون سنة 41 دولارا.

ويمكن أن تباع الفتاة لأهلها بآلاف الدولارات، كما يمكن للمقاتلين إقامة مزاد علني فيما بينهم لبيع ما اشتروه من نساء وفتيات لغرض المشاركة في المزاد القادم والتمتع بسبايا جدد يمكن أن يكنّ أجمل وأصغر سنّا ممّا لديهم. ويتم بيع النساء بالمزاد العلني، وتستند المزايدة على التسلسل الهرمي داخل التنظيم إذ يشارك فيه في البداية قادة التنظيم والمليشيات، ثم يأتي الأثرياء من المدنيين في المرتبة الثانية وبقيّة المقاتلين في المرتبة الثالثة والأخيرة وبالأسعار المنصوص عليها في لائحة الرقيق وبالتالي يفوز القادة بأجمل النساء وأصغرهنّ ثم يليهم أثرياء الجهة والبقية تترك للمقاتلين العاديين. وضمن هذا السياق أصبح الاغتصاب الممنهج للنساء والفتيات سمة بارزة في سلوك التكفيريين خاصة منذ أن أعلن ديوان البحوث والإفتاء في الدولة الإسلامية عن قراره إحياء العبوديّة كمؤسّسة في مرسومه الصادر بتاريخ ديسمبر 2015 تحت عنوان " أفضل الممارسات الخاصة بمعاملة العبيد " الذي أكّد فيه أنّ العبيد ينتمون إلى أملاك المقاتل الذي جلبهم، ثم يمكن بعد ذلك أن يهبهم لشخص آخر أو يورّثهم مثل أيّ ممتلكات أخرى بعد موته. فوضع العبيد مسجل بعقود، وعندما يريد المالك البيع لمشتر آخر تتم كتابة عقد جديد مثل صكّ التنازل عن الملكيّة، وفي الوقت نفسه يمكن تحرير العبيد ويوعد المقاتلون بمكافأة سماويّة إذا فعلوا ذلك، والوثيقة المروسيّة أي شهادة عتق رقبة تكون موقّـعة من طرف قاض من المحافظة الغربية للدولة الإسلامية ". كما أقرّ أيضا أنّ ممارسة الجنس مع النساء المسيحيات واليهوديات اللواتي يتمّ أسرهنّ في المعركة مسموح أيضا. إنّ ممارسة التكفيريين للجنس مع الأسيرات لن يكون برغبة منهنّ بل بإجبارهنّ على ذلك أي اغتصابهنّ بالقوّة، فهذا التنظيم التكفيري أي داعش أقنع منظوريه بتقديس عمليّة الاغتصاب.

ولمزيد إلقاء الضوء على ما يتعرضن له الأسيرات من تعذيب وإذلال نورد بعض الشهادات لفتيات اغتنمن فرصة فرار بعض التكفيريين من عدّة أماكن كانوا يسيطرون عليها وخسروها نتيجة المعارك الدائرة وتمكنّ من الهروب، إذ تروي إحدى الفتيات وعمرها 12 سنة مأساتها كما يلي ضمن شهادتها على الفظائع التي تتعرض لها الأسيرات لدى الدولة الإسلاميّة :"في اللحظات التي تسبق عمليّة الاغتصاب أخذ المقاتل وقته محاولا إقناعي أنّ ما كان على وشك القيام به ليس خطيئة ولأنّ الفتاة المراهقة تنتمي إلى دين آخر غير دين الإسلام، فإنّ الإسلام لا يمنحه الحقّ في اغتصابها فحسب، بل إنّه يتغاضى عن ذلك ويغفره ويشجعه. ثمّ أوثق يديها وكمّم فمها ثمّ ركع بجوار السرير وسجد وصلّى قبل أن يغتصبها وعندما أنهى الأمر ركع وصلّى مرّة أخرى منهيا عمليّة الاغتصاب بعمل من أعمال الورع والتقوى" وتضيف المغتصبة: "كنت أقول له إنّ ذلك مؤلم فيقول لي إنّه مسموح به، وأنّه باغتصابي يتقرّب إلى الله". كما تحدثت إحدى الإيزيديات عن مأساة طفلة عمرها 12 سنة تمّ شراؤها صحبتها من سعودي قائلة :"لقد جرى اغتصابها على مدى أيام على الرغم من معاناتها من نزيف حاد، لقد دمّر حياتها فقد كانت مصابة بشدّة وكان يسألني لماذا رائحتها كريهة جدا فأجبته لديها عدوى والتهاب في الداخل، يجب أن تعتني بها غير أنّه لم يتأثر بذلك ولم يبالي بمعاناة الصغيرة واستمرّ في صلواته الطقوسيّة قبل وبعد اغتصابها، فقلت له إنها مجرّد طفلة صغيرة فكان يجيب لا إنّها ليست بنتا صغيرة، إنّها عبدة وهي تعرف بالضبط كيف تمارس الجنس وقال ممارسة الجنس معها مرضاة لله".

كما تذكر إحدى الفتيات التي تمكنت من الفرار من قبضة التكفيريين في شهادتها أيضا بأنّه تمّ اغتصابها من أحد التكفيريين بعد شرائها بيومين وأنّه أطلعها على فحوى رسالة تقول بأنّ "كلّ امرأة يتمّ اختطافها تصير مسلمة في حال قام عشرة جهاديين باغتصابها" مؤكّدة أنّ الذي اشتراها بادر بتقديمها لأحد عشر جهاديا آخر تناوبوا على اغتصابها. فيما أفادت مراهقة إيزيدية عمرها 17 سنة أسرت صحبة شقيقتها البالغة من العمر 10 سنوات ونقلتا من سنجار إلى الرقّة عاصمة تنظيم داعش أنّه تمّ فحصها هناك مع عشرات النسوة والفتيات للتأكّد من عذريتهنّ ثم تمّ إدخالها مع العذارى الأخريات إلى غرفة يتواجد فيها 40 رجلا ليختاروا منهنّ فيما يبدو مزادا من نوع خاصّ، وهناك اعتبرت أنّها ربّما تكون محظوظة لأنّها لم تكن جميلة بقدر الأخريات لكن في ظرف 10 دقائق تمّ شراؤها هي وأختها الصغيرة وفتاتيْن أخريين من مقاتل داعشي من أصل شيشاني. وتضيف أنّ هذا المقاتل كان يقوم يوميّا بتعريتهنّ وشمّهنّ ليقرّر أيّ واحدة منهنّ سيقوم بممارسة الجنس معها، فيما يحصل الحرّاس على البقيّة. وتعتبر الفتاة التي يختارها المقاتل الرئيسي محظوظة لكونها ستتعرض لضرب أقلّ، وتضيف أنّهم يجبرونهنّ على تلاوة أشياء من القرآن أثناء ما يفعلونه بهنّ وإلا فإنّهن يتعرضن للجلد.

كما تذكر أنّ الفتيات يقمن بإعداد الطعام والتنظيف وفعل أيّ شيء يطلبه المقاتلون منهن بالإضافة إلى الرقص والغناء في بعض الأحيان، وأنّها من كثرة العذاب الذي تعرضت له، أرادت قتل نفسها إذ لم يكن لديها أيّ أمل في المقاومة لأنّ المرّة الوحيدة التي حاولت فيها المقاومة، قام أحد الحرّاس بسكب الماء المغلّى على فخذيها. إيزيديّة أخرى تذكر أنّ النساء يتمّ تجميعهنّ في غرف ويتمّ اغتصابهنّ من قبل جماعات مختلفة ثلاث مرّات في اليوم وأنّه كان بينهنّ طفلات لم يبلغن الثالثة عشر من العمر، إضافة لعمليات الجلد التي لم تسلم منها حتّى الصغيرات وأنّ بعضهنّ فقدن القدرة على النطق وقد وصل بها الأمر هي والبعض منهنّ مطالبة حراسهنّ بإطلاق النار عليهنّ وقتلهنّ لإراحتهنّ من هذا العذاب المستمرّ لكن السجانين يخبروهنّ بأنّهنّ " غنائم حرب " وأنّهنّ مثل الماعز الذي يشترى من السوق .

لقد أجمعت كل الشهادات على السلوك العدائي والعنيف الذي يعامل به التكفيريون المرأة دون مراعاة لكونها إنسانة لها مشاعرها ورغباتها الخاصة، فهم يعتبرونها مجرّد متاع يباع ويشترى في أسواق النخاسة التي أحدثوها في العديد من المناطق التي سيطروا عليها في العراق وسوريّة ووفروا لها بناها التحتية. فالمرأة بالنسبة لهؤلاء الوحوش البشريّة لا تصلح إلاّ لممارسة الجنس وهو الدافع الرئيسي لاستعبادها واضطهادها حتى تنفّذ ما تؤتمر به من أوامر وتستجيب بدون تردّد لما يطلبه منها مالكها من طلبات حتّى وإن كانت شاذّة حتى لا تتعرض للعنف والتعذيب، وكذلك الاعتداء على براءة الطفولة من خلال اغتصابهم للقاصرات وإرغامهنّ على الزواج وهنّ في سنّ التاسعة. والغريب في الأمر أنّهم يصبغون أعمالهم الدنيئة هذه بصبغة دينيّة لإقناع ضحاياهم بصحة ممارساتهم الحيوانيّة.

إنّ التركيز على نقل مثل هذه الشهادات المتنوّعة حتّى وإن كانت صادمة يهدف من ناحية إلى تقديم صور حقيقيّة وواقعيّة عن المعاناة اليوميّة للمرأة الأسيرة وعن حقيقة استعبادها واستغلالها من طرف التكفيريين الأمر الذي يجعلها تتمنى الموت أو تسعى إليه كحلّ للتخلّص من التعذيب الوحشي المستمرّ الذي تتعرض له يوميّا. ومن جانب آخر إلى دقّ ناقوس الخطر لكي تتجنّد الكادحات والعاملات وكل المناضلات في العالم وهنّ يحيين عيدهن العالمي للتصدي لهؤلاء الإرهابيين الذين يعملون على إعادة إحياء العبوديّة من جديد والعمل على تحرير آلاف النساء اللواتي هنّ تحت سيطرتهم الآن .

إنّ وضع المرأة تحت حكم داعش الذي تطرقنا اليه يمكّننا من تحديد الطبيعة الرجعية التي يحاول التكفيريون فرضها على المجتمع العربي بالخصوص من خلال تجريد المرأة من حقوقها المكتسبة وتركيز أسس العبوديّة من جديد في الوقت الذي يطرح فيه الثوريون مسألة تحرير المرأة بوصفه جزءا لا يتجزأ من المسألة الديمقراطية المرتبطة شديد الترابط بالمسألة الوطنيّة أي بالمهام المطروحة على الثورة الوطنية الديمقراطيّة.

إنّ هذا الزحف التكفيري الذي أصبح يهدّد الشعب العربي بالأساس من شأنه أن يدفع الثوريين في الوطن العربي إلى أن يضعوا على جدول أعمالهم وبصفة ملحّـة مهمّـة توحيد صفوفهم ورسم خطط موحدة للتصدي لهؤلاء التكفيريين بوصفهم عملاء للاستعمار وأصحاب مشاريع اجتماعية معادية للشعب والوطن.

-----------

طريق الثّــــورة

 
 
 

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

bottom of page