التاريخ الرسمي المعاصر في تونس كتبته بشكل كبير المخابرات الأجنبية وخاصة الأوروبية والأمريكية وقد سبق لرئيس المخابرات الإيطالية القول: نحن من كان وراء انقلاب بن علي في 7 نوفمبر، وقبل ذلك هناك الأطروحة القائلة أنّ المخابرات الأمريكية خططت لانقلابين في تونس في نفس الوقت انقلاب 7 نوفمبر وانقلاب 8 نوفمبر حتى تتفادى أيّ فشل فإذا اخفق الأول كان الثاني وإذا نجح الأول تُسلّم أوراق الانقلاب الثاني له. ومعلوم أنّ الانقلاب الأوّل هو انقلاب دساترة على دساترة أمّا الانقلاب الثاني فهو انقلاب إخواني على الدساترة، وكلا الانقلابين كانا بتخطيط المخابرات الأمريكية والأوروبية، والطريف في الصراع بين الاستخبارات الأوربية قبل انقلاب بن علي أنّ رئيس المخابرات الفرنسية قال لنظيره الايطالي: لا تقتربوا من تونس فهي جزء من امبراطوريتنا!!!!! وإذا دفعنا هذا التحليل إلى نهايته أمكننا استنتاج أنّه بعد أن استنفد الانقلاب الأوّل/7 نوفمبر غرضه وأصبح مع مرور الوقت مشكلة تطلّب الأمر التخلي عنه واستعمال فرسان الانقلاب الثاني ونعني الإخوان وحلفائهم وهو ما حصل في 14 جانفي وما تلاه. ولكن ضمن أوضاع أشد تعقيدا وفي غمرة انتفاضة 17 ديسمبر أدت شيئا فشيئا إلى ازدواجية السلطة بين الدساترة المعاد بناؤهم والإخوان.
غير أنّ التوافق بين الطرفين الذي ترعاه دول رجعية عربية وإقليمية وعالمية لن يطول كثيرا فهو محكوم بتناقضات وإن كانت ثانوية في علاقة بالتناقض الرئيسي مع الشعب فإنها سائرة نحو الانفجار فكل قوة تعدّ نفسها للمواجهة المقبلة فالإخوان لن يقبلوا طويلا بأن يكون الطرف الثاني في التوافق وإنما الطرف الأول وهنا بالذات نفهم تخزين السلاح من طرف قوى على صلة بهذا الطرف أو ذاك من ذلك النفق الذي تم الكشف عنه في المنستير والذي أكّدت مصادر إعلامية أنّ أحد المتورطين في إقامته مسؤول محلي في حزب النهضة فضلا عن الصواريخ المكتشفة حديثا في بنقردان والمطمورة في الأرض وهي من النوع المتطور جدا وهي صواريخ حرارية مضادة للطائرات.
وهذا كله يعني أنّ هناك استعدادات متواصلة لإعلان الحرب على الشعب من طرف قوى تتمترس الآن في الجبال وهي لا تزال تبحث عن الحاضنة الشعبية قبل المرور من الهجمات الصغرى إلى الهجمات الكبرى وأن قوى أخرى لا تختلف جذريا عنها وتشرب معها من نفس المنابع الايديولوجية الدينية التكفيرية تسير في الاتّجاه ذاته ولكن باعتماد تاكتيكات "ديمقراطية" أما الليبرالية المرتبطة بالامبريالية فإنها مستعدّة للتحوّل متى استوجب الأمر إلى سفّاح يرتكب المجازر الدموية دفاعا عن مصالحه، وحتى يكون الشعب في صف نفسه لا في صف أعدائه يجب أن تتطور وتترسّخ لديه أكثر فأكثر فكرة الدفاع عن نفسه بنفسه ومسؤولية الأحزاب والنقابات والجمعيات الوطنية والمثقفين وغيرهم كبيرة لبلورة ذلك.