تزداد أزمة الامبريالية تفاقما بسبب طبيعتها التي تتأسّس على الاستغلال والنهب ولذلك تسعى إلى تصدير أزمتها إلى المستعمرات وأشباهها فتحمّلُ الشعوب والأمم المضطهَدة والعمّال المزيد من البؤس والاضطهاد والتجويع، وتعمد إلى شنّ الحروب واختلاق الصراعات من أجل إرباك التصدّي لاختياراتها المعادية للإنسانية وهي بذلك تتسلل إلى الحركات المحتجة عليها فتزرع الفتنة بينها معتمدة ذرائع متعددة ومتنوعة. وقد يمكّنها ذلك من إرجاء المعارك الحاسمة ضدّها أو إبطالها أو حرفها عن مسارها الصحيح، ولعلّ ما تشهده السّاحة الدولية منذ عشرات السنين يؤكد على تفنّن الرجعية العالمية في إيجاد جملة من السبل الظرفية التي لن تغنيها آجلا عن الإجهاز عليها لتدشين عصر الاشتراكية والقضاء على استغلال الإنسان للإنسان.
وفي نفس الوقت، يحتدم الصّراع بين الكتل الإمبريالية وداخل الكتلة الإمبريالية ذاتها عبر المحاور الرجعية الإقليمية وداخل نفس البلد وخاصة في المناطق التي يحتد فيها الصراع بين القوى الرّجعية من جهة وقوى الثورة والتحرّر. وتشهد المنطقة العربية، مثل كثير من المستعمرات وأشباهها، حالة من التشابك وتداخل الأوراق وتبادل الأدوار والمهمات وذلك بهدف حرف الانتفاضات الشعبية عن مسارها السليم وإغراقها في صراعات جانبية وتتكفّـل الرّجعيات المحلية بهذه المهمّات القذرة فتغدق المال وتدجّج بالسلاح فصائل رجعية متطرفة ويمينية ليبرالية من أجل تشويه قوى الثورة وإجهاض الانتفاضات والترويج لبدائل تتحكّم فيها الرجعية العالمية لإعادة تثبيت مواقعها التي أصابها الارتجاج وترتيب أسسها التي لحقها الاعوجاج فتغضّ الطرف وتشجّع تيارات يمينية وإصلاحية مهمتها النهائية تمييع الصراع الوطني والطبقي موهمة جماهير الكادحين والمضطهَدين ببدائل توفيقية تبقي في النهاية على أسباب بؤسهم واستعبادهم.
وفي مقابل ذلك، تتعاظم ردود الفعل ومحاولات الخلاص والتحرر من نير الاضطهاد الوطني والاستغلال الطبقي وتتعدّد أشكال الاحتجاج والتمرد في أكثر من مكان وزمان فمن التنديد إلى الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات إلى المقاطعة وغيرها... وهي رغم عفويتها وتعثّرها في كثير من الأحيان فهي تؤكد على إيمان الجماهير بافتكاك حقوقها وسعيها في سبيل ذلك.
إنّ الرجعية وهي تفعل ما في وسعها للحفاظ على امتيازاتها على حساب عموم الكادحين تضطر أحيانا إلى تنازلات ملغومة وإلى التضحية مؤقّتا بهذا الجناح منها أو ذاك ولكنّها غير مستعدة أن تخسر نهائيا هيمنتها وسيطرتها ففي ذلك موتها. وبالمقابل فعلى الثوريين الانصهار أكثر في صفوف الجماهير وصُلبها والنّضال جنبا إلى جنب معها لتمكينها من الوعي وتحصينها ضد الوعي الزائف ومن أجل امتلاكها بوصلة تحرّرها وضرورة تنظيم نفسها وامتلاك أدوات الثورة والنصر.