تعيش السّاحة السّياسيّة الرّسميّة في تونس اليوم على وقـع الصّراعات حينا والتوافقات أحيانا بشأن مصير "وثيقة قرطاج" واللّجنة التي تمّ إحداثهـا مؤخّرا كي تتوصّـل، بعد تقييم لما مضى، إلى "تقرير مصير" الوثيقة وما انبثق عنها وتحديدا ما عُرف بحكومة "الوحدة الوطنيّة".
و تبدو ملامح الصّراع واضحة وجليّة بين الاتّحاد العام التونسي للشغل من جهة وبقيّة المكوّنات وتحديدا الحزبين الرّئيسيين المؤلفين لأغلبيّة الحكومة الحاليّة من الجهة المقـابلة، وقد فاحت رائحة هذا الصّراع، الظّاهري على الأقلّ، قبل الوصول إلى تخريجة لجنة التقييم وذلك من خلال التصريحات التي وردت على لسان عدد من وجوه المكتب التنفيذي للمنظّمة الشّغيلة ومنها أمينه العام، وقد واجه بعض المسؤولين في الحكومة هذه التّصريحات بتصريحات مضادّة تؤاخذ المنظّمة على تدخّلها في الشّأن السياسي عامّة وفي شأن الحكومـة خاصّة. وكادت الأمور بين الطّرفين أن تحتدّ أكثر بعد أن صعّد الاتّحاد من لهجته مستغلاّ نوايا السلطات المسؤولة الإقدام على خوصصة عدد من المؤسسات العموميّة، فلم يكن من هذه السلطات إلاّ امتصاص هذا الغضب بالدّعوة إلى عقد اجتماعات لممثلي الوثيقة والشروع في تقييمها. ولعلّ هذا الاختلاف سيطفو على السّاحة من جديد مع ما ستؤول إليه عمليّة التقييم وتقرير المصير. أمّا فيما يخصّ بقية المكوّنات، فالظّاهر انّه لا توجد خلافات بينها وخصوصا الأحزاب المشاركة في الحكومة، ولعلّ ذلك مفهوم بما انّها انتفعت بعمليّة تقاسم المناصب، وقد يخفي هذا التوافق الظّاهري خلافات داخليّة تعمل مختلف الأطراف على عدم إبرازها إلى العلن وجوهرها لن يخرج عن إطار توزيع المناصب واقتسام الغنائم والمكاسب ولن يكون مرتبطا بطبيعة البرامج والمشاريع والسياسات الواجب اتّباعها لتجاوز الأسباب التي أدّت إلى هذه الأزمـة السياسيّة.
ومهما يكون تقرير المصير الذي سيترتّب عن هذه اللّجنة، فإنّ المحافظة على الحكومة الحالية أو إدخال تحوير جزئي عليها أو تغييرها كليّا لن يؤدّي إلى إحداث تغيير جوهريّ في الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة ومختلف الميادين الأخرى كالثقافة والتعليم والصحة والرياضة وغيرها. وقد تعوّد الكادحون على الشعارات الرنّانة والعناوين الطنّانة مع كلّ حكومة جديدة دون أن يروا أيّ أثر لها على أرض الواقع، ولن يتغيّر هذا الوضع المتأزّم ومصير الشعب ما لم يقرّر هو أخذ مصيره بيده ولن يكون له ذلك دون الانخـراط في مقاومة مشاريع الرّجعيّة وسياستها والإقدام على التنظم والتضحية والنضال الثوري ونبذ أكاذيب الرجعية والأوهام التي تطلقها الإصلاحية في أنّ التغيير يأتي من الصناديق.