top of page

مـــــا العمــــل ؟


البحر يأكـل لحمهم، لكنّهم يعانقونه

دفعتهم لقمة العيش والحيــاةُ المُرّة إلى الإلقاء بأجسادهم في غمرة ليل حالك وسط المياه الزّرقاء.. هــؤلاء الحالمين بغد أفضل من يومهم ومن أمسهم البرّ يطردهم والبحر يقبرهم، البرّ الذي انتظروا أن يؤويهم في كرامة بحثوا فيه بشتّى الطّرق عن شُغل يسكتون به جوعهم، تنكّر لهم فلم يتذوّقوا منه سوى وعود لا تبرح دفاتر الدّواوين وخيبات تتراكم يوما بعد يوم فتتجمع في داخلهم شتّى أنواع القهر إلى أن ضاقوا به وضاق بهم.

هــؤلاء الذين عاشوا سنينا على أمـل أدركوا أنّه لن يجيء وأيقنوا أنّهم ليسوا إلاّ فرائس لموت بطيء.. فاختاروا موتا آخر وهم يعرفون مسبقا أنّ "من لا بحر له لا برّ له". وقبل أن يُفنيهم الموت البطيء على برّ بلا شغل ولا كرامة ولا حريّة تسابقوا إلى الأزرق الموحش ليختاروا ميتة حُرّة.. وحتّى من نجا منهم مرّة يظلّ يمنّي النّفس بأن يعيد الكرّة.. وهو شبه متأكّد أنّه قد لا يصل إلى برّ آخر لا يختلف كثيرا عن برّه.. ومن يصل منهم هو شبه متأكّد أنّه سيمرّ من سجن إلى سجن أو سينتقل من سوق عمل سوداء إلى سوق أخرى وأنّه سيتسوّل أو يسرق نهارا وينــام ليلاً في العــراء.. لكنّ رغم كلّ هذه الأهـــوال وغيرهـا لا يتوانى عن ركوب البحر خلسة.

هؤلاء الذين اختاروا طريقة موتهم لم يختاروا في يوم من الأيّام أسباب اختيارهم هذا، بل هم كانوا ضحايا لذلك الذي يخطّط لتنمية غير عادلة ولبطالة مستدامة ولتفقير أبديّ ولتهميش جهويّ وطبقيّ يتمنّى أن لا يزول.. ثمّ يخرج علينا في ذيل كلّ عام ليُبشّرنا بمنوال تنمويّ جديد وببرنامج جديد للحدّ من البطالة والقضاء على الفقر والزيادة في منسوب الحريّة والكرامة والعدالة ثمّ يأمر بالشروع في تنفيذها.. وتمرّ الأعوامُ تلو الأعــوامٍ، ولا نرى غير بطالة تتفاقم ونسب فقر ترتفع وحريّة اللصوص والنهّابة تتّسع.. مع أنّـه يقف إثـر كلّ فاجعة ليتبـاكى ولا يخجل حين يأتي بمبرّرات تبرّؤه محـاولا الظهور من خلالهـا في موقع المسؤول والضحيّة في آن واحد..

هــؤلاء هم ضحايا ما يطلق عليه كلّ عام منوال تنمويّ جديد، وهو المنوال الذي لا يتغيّر، منوال لا يقوم على القضاء على البطالة وإنّما على الزيادة فيها وتوزيع الصّبر وحماية كبار اللّصوص ومصالحهم وتكديس الثّروة في أياديهم..الآن نعرف، كما كنّا نعرف، أنّ هؤلاء الذين اختاروا طريقة موتهم، وغيرهم من المحرومين والكادحين هم ضحايا هذا النّظام، والشعب يعرف أن لا خــلاص إلاّ بإسقـاطه ولن يتحقّق هذا الإسقــاط إلاّ بطريق واحدة، هي طريـق الثّـورة. فلا طريق الموت التي اختاروها ولا طريق تبديل حكومة بحكومة عبر الصّندوق أو عبر التظاهر ولا طريق البكاء والتّباكي ستغيّر واقعــا بكلّ هذا الاضطهــاد.

_______________________

طريق الثّورة، عدد 46، أفريل- مــاي 2018

 
 
 

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

bottom of page