top of page

مـــا العمــــل ؟

اِفتتــــاحيّة العـدد الجديد من طريــــق الثّــــورة

لم تكن فاجعة النّساء الكـــادحـــات التي وقعت في جهة السبالة من ولاية سيدي بوزيد يوم السبت 27 أفريل المنقضي، التي هزّت البلاد من أقصاها الى أدناها لا الفاجعة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتعرّض لها هذه الشّريحة الاجتماعية. فقد وقعت على مدى سنوات عديدة حوادث مشابهة ذهب ضحيّتها عدد من الكادحات في جهات مختلفة حيث تنتشر الضّيعات والحقول التي تشتعل فيها جيوش من النّســاء اللّواتي لا مفرّ لهنّ من امتطاء شاحنات المــوت فجرا ومساءً من أجل اقتــلاع لقمة العيش بسواعدهنّ السّمراء متعرّضات الى شتّى أشكال العذاب والاستغلال الطّبقي يدفعهنّ إليه الفقر الكافر.

هؤلاء الكادحات لم يكن أمامهنّ خيارات أخرى لتعاطي مهن أخرى وتجنب السقوط ضحايا لحوادث تلك الشاحنات، فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية ومخططات التنمية الجهوية للدولة القائمة منذ عقود هي المسؤولة عن هذا المصير الأليم.

فالسياسات الاقتصادية لهذا النظام القائمة على تنفيذ قانون "الاقتصاد الحرّ" الذي لا همّ للمتحكّمين في وسائل الإنتاج داخله إلاّ تحقيق الرّبح والذي لا يمكن تحقيقه دون مزيد استغلال واستعباد العمّال والعاملات، هذه السياسات لم تحقّق للغالبية العظمى من المجتمع سوى مزيد من التفقير والبطالة، وهي سياسات تخدم حفنة اجتماعية محظوظة تعمل على تنفيذ مخططات شركات ومؤسسات عالميّة وتستفيد منها وتبذل الدولة القائمة بحكوماتها المتعاقبة من 1956 الى اليوم قصارى جهدها من أجل ضمان نجاح تلك المخططات من خلال الاتفاقيات التي عقدتها مع تلك الأطراف والتي تستعد لعقد المزيد منها ومنها اتفاقية الاليكا التي سيكون من بين نتائجها إعادة الاستعمار الزراعي المباشر. ولن يكون من نتائج هذه السياسات الاقتصادية غير تهميش جهات على حساب جهات أخرى وتفقير الكادحين مقابل مزيد استثراء المستغلين وتهيئة مناطق بمختلف الخدمات وأكثرها تطوّرا على حساب مناطق أخرى.. وقد كانت انتفاضة 17 ديسمبر نتيجة مباشرة لتلك السياسات. والآن تتباكى الدولة بمختلف مسؤوليها وأجهزتها المسؤولة عن تلك الفاجعة متجاهلة انّها السبب مقابل تحميله لسائق الشّاحنة الذي ذهب هو نفسه ضحيّة لنفس السياسة.

إنّ الأمر لا يرتبط بمجرّد غياب وسائل نقل لائقة لنقل كادحات الرّيف الى الحقول ولا بغياب مسالك فلاحيّة معبّدة في الريف ولا بتسهيل الحصول على رخصة نقل ريفي للكادحات ولا بالتسجيل في منظومة احميني أو غيرها ولن يُحلّ الأمر بمجرّد تقديم منّة ممثّلة في عدد من رؤوس الأغنام الى من تبقّى حيّا من القرية المنكوبة ولا بتشريع قوانين معيّنة في ميادين النقل والضمان الاجتماعي.. وإنّما المسألة أكبر من ذلك بكثير، انّها مسألة منظومة اقتصادية واجتماعية وتنمويّة كاملة وشاملة تقطع مع كلّ أسباب التهميش والتفقير واللاعدالة والارتهان للاستعمار بشكليه القديم والجديد وهذا القطع لا يمكن أن يحدث قي ظلّ حكم الطبقات السائدة اليوم لانّ استمرار حكمها مرتبط باستمرار ذلك الولاء وبالتالي باستمرار تنفيذ نفس السياسات المعادية لمصالح الكادحين في التحرر وحكم أنفسهم بأنفسهم والسيطرة على الثروة، فتلك شروط لابد منها ولن تتحقق إلاّ بطريق الثورة لا بالهرولة وراء أوهام صناديق الاقتراع التي لا يمكن أن تؤدّي إلاّ الى الحفاظ على نفس النظام وان تغيّرت الأسماء والوجوه.

________________________________

طريــق الثّــــورة، العدد 51، مارس/أفريل 2019

 
 
 

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

bottom of page