يتزايد نسق انتشار كوفيد -19 في مختلف أصقاع العالم ومعه تتزايد أعداد المصابين وأعداد الوفيات ممّا حوّله إلى جائحة خطيرة، وقد أصاب البلدان "الأكثر تقدّما وثراءً" كما البلدان "الأكثر تخلّفا وفقرا" مع أنّ ضرباته كانت موجعة أكثر في تلك البلدان المتقدّمة اقتصاديا التي تمثّل مركز الامبرياليّة الرّأسماليّة فوقفت برجوازيّتها الحاكمة عاجزة عن علاج المرضى وعن إحصاء قوافل الموتى وأصابها الذّعر والهلع بسبب الانهيار الذي لحق مؤسساتها الاقتصاديّة، والأمر لا يختلف كثيرا في المستعمرات وأشباهها، وإن كان المشهد فيها يظهر نسبيّا بأقلّ حدّة. لقد كشف هذا الوباء ضعف المنظومات الصحيّة للنظام الرّأسمالي والنّظام الكمبرادوريّ-الإقطاعي لأنّها قائمة على مبدإ "الصحّة الأوفر لمن يدفع أكثر" وهو ما يحرم الكادحين من التمتّع بالرّعاية الصحيّة والعلاج، وكشف أيضا الإهمال المتعمّد للبحث العلمي في ميدان الأمراض والأدوية والصحة عامة. والأخطر من ذلك، فضح الطّبيعة الرّبحيّة البحتة لهذه الأنظمة وطبقاتها التي استثمرت معاناة الشّعوب ومآسيها عبر الإجراءات التي صاحبت انتشار الوباء والحجر الصحي الذي فرضه هذا الانتشار، من حرمان العمّال من أجورهم والطّرد ومنع الاحتجاج والتجويع... فتُــرك الفقراء يواجهون مصيريْن لا ثالث لهما، إمّا الموت جوعا وإمّا الموت بالكورونا.
وإذ بدأ شبح الأزمة الاقتصاديّة يخيّم بظله، أصيبت الطّبقات السّائدة في تلك الأنظمة بالهلع وسارعت إلى اتّباع سياسة "الرّفع التّدريجي للحجر" حتّى تتجنّب الإفلاس وما قد يترتّب عنه من عواقب ، مجبرة جيوش الكادحين والكادحات على العودة إلى العمل وسط هذه الظروف الوبائيّة والعجز عن اتّخاذ تدابير صحية كافية لفائدتهم.
ولم تستسلم الجماهير المفقّرة لقوانين التّرهيب من كسر الحجر الصحيّ، فانتشرت الاحتجاجات بأشكال متنوّعة ضدّ سياسات "الموت جوعا أو الموت بالكورونا" في الأرياف وفي الاحياء الشّعبيّة وفي السّجون في مختلف القارّات ولم يرهبها القمع الذي أودى بحياة العديد.
ولم يشذ المشهد في تونس عمّا يقع في العالم، بل تزيّن بتفاقم مظاهر الفساد الرّسمي والاستثمار السياسي المفضوح الذي مارسته الرّجعيّة الحاكمة التي تزداد أزمتها يوما بعد يوم وتتّسع حدّة التناقضات بين أجنحتها وتتعرّى لا وطنيّتها ولا ديمقراطيتها ولا شعبيّتها أكثر.
إنّ القضاء على وباء كورونا لا يتوقّف على الحلّ الصحيّ فحسب وإنّما حلّه الجذري يكون سياسيّا وهو القضاء على الوباء الأكبر، النّظام الرّأسمالي الامبريالي والنّظام الكبرادوري الإقطاعي الذي يدور في فلكه، وإقامة النّظام الاشتراكي وهذا لن يتحقّق تلقائيّا بل عن طريق الثّورة وهذا يستوجب وحدة كفاح الشيوعيين والثّوريين واستغلال الأزمة القائمة وتعميقها من أجل القضاء على أنظمة الاستغلال والاضطهاد.