top of page

الكادحون والنقل العمومي: قصّة عشق وعذاب لا تنتهي

شهدت يوم الخميس 7 نوفمبر 2019 محطة المترو بالباساج في وسط العاصمة حالة احتقـان وغضب من قبل المسافرين الذي قـاموا بمنع العربات الموجودة في المحطّة من الخروج وذلك احتجاجا على تردّي خدمات هذا الصّنف من النّقـل العمومي حيث عادة ما تتأخّر عربات المترو عن مواعيد رحلاتها، وهو ما يؤدّي إلى التحاق المسافرين متأخّرين بأعمالهم وقضاء شؤونهم اليوميّة. وقد طالب المحتجّون بضرورة تدخّل السّلطات من أجـل إيجاد حلّ لمشكل التّأخير في مواعيد سفرات عربات المترو. و في عـلاقة بتردّي خدمـات قطاع النّقل العمومي بالبلاد، قام سكّان منطقة عين تركيّة في ضواحي مدينة صفاقس، قبل احتجاج الباساج بيوم واحد، باحتجاز عدد من الحافلات التّابعة لشركة النقل الجهويّة بصفاقس احتجاجا على عدم توفّر حافلات للنّقل المدرسي لنقل أبنائهم وبناتهم. وقد وقعت مواجهات بين السكّان المحتجّين وقوّات الأمن.

هذه الاحتجاجات التي تحدث هنا وهناك في المناطق الحضريّة تؤكّد الوضع المتردّي جدّا الذي أضحى عليه قطاع النّقل العمومي بالبلاد التّونسيّة بمختلف أصنافه وخاصة النّقل البرّي عبر الحافلات والنّقل الحديدي بواسطة عربات المترو التّابع لشركة نقل تونس وعربات القطارات التّابعة للشركة التونسية للسّكك الحديديّة. فمن تقادم الأسطول إلى عدم كفايته لنقل الاعداد المتزايدة من المسافرين مرورا بضعف عمليّات الصيانة والإصلاح المنتظمة وباهتراء البنية التحتيّة وخصوصا خطوط النّقل الحديدي وهو ما ادّى إلى تواتر حوادث القطارات مثلا في السّنوات الأخيرة. وهذه المشاكل المزمنة يعاني منها هذا القطاع ولا تزال تتفاقم خصوصا مع استشراء ظاهرة الفسـاد الإداري والمالي والذي تفوح روائحه مع الصّفقات التي تعقدها السلطات المسؤولة خلال عمليّات اقتناء حافلات أو عربات سواءً كانت جديدة أو قديمة. يضاف إلى ذلك غياب قراءة متوسّطة المدى، على الأقلّ، من شأنها أن تجعل هذا القطاع قادرا على الاستجابة للزيادة في أعداد المستعملين لوسائل النّقل العمومي في المناطق الحضريّة وخصوصا في الحواضر الكبرى، وبالمقابل تحضر القرارات الارتجاليّة التي تهدف إلى اتّخاذ بعض الحلول الترقيعيّة الظّرفيّة. وكلّ ذلك لن يؤدّي إلاّ إلى تفاقم الأوضاع السيّئة لهذا القطاع الذي تزيد أسعار تذاكره مع ازدياد رداءة الخدمات التي يقدّمها لحرفائه وأغلبهم من الطّبقات الكادحة اضطرّهم الفقر إلى امتطاء وسائل مهترئة يقضّون أوقاتـا طويلة في انتظار قدومها ولا يحظون حتّى بمقعد في عرباتها المهترئة وقد تتعطّل بهم بعد وقت قصير... إلى غير ذلك من أشكال المعاناة اليوميّة ورحلات العذاب المتواصلة مع الحافلة أو المترو أو قطارات الضّواحي.

إنّ الدّولـة هي المسؤول الأوّل والأخير عن هذا الوضع المتردّي لقطـاع النّقل العمومي، ولا ينتظر الكادحون والكادحات منها أن تغيّر يوما ما في سياستها القائمة على تهميش القطاعات العموميّة وإهمالها تدريجيّا وذلك تمهيدا للتفريط فيها لفائدة رأس المال الخاصّ حتّى تزيح عن كاهلها هذا العبء الثقيل وحتّى تزيد في تفقير الطّبقات المفقّرة والمحرومة. ويلاحظ هذا التوجّه في ميدان النّقل ليس من خلال تردّي خدمات النّقل العمومي فحسب بل من خـلال التطوّر الملحوظ في وسائل النّقل الخاصّ عبر الزّيادة في اسطوله وتنوّع وسائله وانتشاره بشكل كبير في السّنوات الأخيرة وأصبحت تقدّم خدمات أقلّ سوءً من وسائل النّقل العمومي. ورغم هذه الرّداءة في خدمات وسائل النّقل العمومي والعذابات التي يعانيها المسافرون جـرّاء عدم قدرتهم على تحمّل تعريفة التنقّـل في عربات التّاكسي والتاكسي الجماعي والحافلات الخاصّة للنّقل الحضري، رغم الاكتظاظ والرّوائح والأمراض المنجرّة عنها وساعات العمل والدّراسة المهدورة بسبب التّأخير في الوصول، يظلّ الكادحون والكادحات مرغمين على الوفاء لتلك العربات المتهالكة في ظلّ دولـة لا يهمّما ما يعانيه هؤلاء الذين لا يملكون سيّارات فاخرة ولا ســوّاق خاصّين ولا يتمتّعون بامتيازات البنزين المجاني. غير أنّ هذه الحالة المزرية التي أصبح عليها هذا القطاع جعلته يفقد حوالي ثُلث حرفائه حسب اعتراف لوزير النّقل نفسه.

هذه بعض المشاكل التي يعاني منها قطاع النّقل العمومي في الحواضر الكبرى، أمّا عن المدن الصّغرى والاقلّ شأنا والمناطق الرّيفيّة فتلك قصّة أخرى.

 
 
 

الشعوب والانتخابات: قصّة حبّ قصيرة

تتزايد ظاهرة امتناع السكان عن المشاركة في التصويت في الانتخابات التي تجري في مختلف انحاء العالم. ولا تقتصر هذه الظّاهرة على المستعمرات...

Comentários


bottom of page